تجري تحولات كبيرة بالشرق، ولا يمكن أن يبقى الفكر بمنأى عن ملامستها ومساءلتها، حيث أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سحب قواته من سوريا، مؤكدا أنه لن يكون شرطي المنطقة، وأوكل مهمة تنظيف ما تبقى للرجل طيب أردوغان، الرئيس التركي، باعتباره هو من يعرف الدواعش ومن في زمرتهم، الذين يمكن نقلهم إلى أماكن أخرى خدمة للرؤية الجيوسياسية لأمريكا. وفي الوقت نفسه أعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة فتح سفارتها في دمشق، كما أعلنت البحرين نية فتح سفارتها، وأشارت المملكة العربية السعودية إلى تكلفها بإعادة الإعمار، وقامت بتغيير بعض الوجوه في الحكومة التي ارتبطت بخطاب راديكالي، وتم تنفيذ أول رحلة جوية بين مطار دمشق الدولي ومطار المونستير بتونس.
تحولات ليست بسيطة، ولابد من قراءتها بعمق. هذه الترتيبات التي تجري يعني فشل الرهان على المشروع الإخواني بالمنطقة، باعتبارهم أدوات تنفيذ مخطط الشرق الأوسط الكبير وشمال إفريقيا. قد يضطر الراعي الكبير إلى لعب أوراق أخرى وتشغيل الجماعات الإرهابية في منطقة أخرى لكن بأهداف مختلفة ومشروع مختلف، غير أن المشروع، الذي انخرط فيه الإخوان يمكن الإعلان اليوم عن نهايته.
بما أن الإخوان أصحاب صفقات، مثل التي عقدها صفوت حجازي مع جو بايدن قبيل بداية ما يسمى الربيع العربي، فقد طمعوا أكثر متناسين أن الرئيس الأمريكي هو تاجر أولا، ويتصرف في الاستراتيجية السياسية مثلما يتصرف في الصفقات المربحة، ولهذا لم يفهموا أن الأمريكي لم يكن في وارد اشتغاله بالمنطقة أن يقيم لهم الخلافة وإنما كان يبحث عن مصالحه.
حقق الأمريكي مصالحه أو لم يحققها هذا نقاش مختلف. لكن هو اليوم يغادر والحلفاء يبكون، وهو يقول لهم أنا لست حليفا، أنا رب عملكم، انتهت وظيفتكم كما تنتهي مناديل الورق. وهكذا فعل بأقرب الفصائل إليه "قوات سوريا الديمقراطية"، التي رفع عنها الغطاء وتركها في مواجهة أردوغان.
نهاية المشروع الإخواني اليوم لا يعني نهاية الإخوان. سيبقون ويغيرون اللوك ويخرجون مرة أخرى لكن بصفات وعناوين مختلفة. لكن يعني نهاية حكمهم وحكوماتهم. في تركيا يحكم الإخوان المسلمون. في تركيا حزب العدالة والتنمية يتميز بقوة وجماهيرية واخترق المؤسسات وغيرها. ومع ذلك سينتهي هناك حكم الإخوان ليس بنهاية أردوغان أو الحزب ولكن بعودة تركيا من المشروع العثماني إلى الدولة القومية، وترتيبات أردوغان في سوريا ما هي إلا لحماية حدوده الضيقة وليذهب الإخوان إلى الجحيم.
في تونس سيتم إبعادهم عن الحكم، ولن يغفر لراشد الغنوشي، خطابه في الأيباك، أكبر تنظيم صهيوني في أمريكا، وتحالفه مع قطر، سيتخلى عنه كل مشغليه ليعود إلى حجمه الطبيعي، ولن يكون مصير العدالة والتنمية في المغرب أحسن منه، خصوصا وأنه على رأسه اليوم واحد من "أصدقاء سوريا" أي سعد الدين العثماني. وقد يدخل نداء الحماية الدولية للمتظاهرين بالسودان في هذا السياق. أي إنهاء الإخوان في كل مكان.