|
|
|
|
|
أضيف في 02 يناير 2019 الساعة 37 : 11
عادت سوريا أو تكاد تعود إلى سابق عهدها في الجامعة العربية. وقريبا يجلس بشار الأسد في المكان الذي كان يجلس فيه والده المرحوم حافظ، لكي يلقي على مسمع الأمة خطابا ما عن التضامن العربي، وعن ضرورة توحيد الصفوف لأجل مقاومة القادمات من التحديات والمقبلات من المخاطر... لسبب ما يعلمه الجميع ولا يعلمه أحد في الوقت ذاته، تذكر الكثيرون أولئك الصارخين الذين كانوا منذ سنوات الألفين يملؤون ساحات بلدان عربية وغربية كثيرة - ضمنها المغرب - لكي يرقصوا الدبكة الشامية وإن كانوا لايتقنونها ولا يحفظون حركاتها، ولكي يلوحوا بالكوفيات وهم يصرخون بشكل مضحك وسخيف "يالا إرحل يابشار". لسبب آخر يكاد يشبه الأول، في أن الجميع يعلمه لكن الجميع يجهله، أيضا تذكر العديدون ليبيا، يوم صاح الصارخ من علياء صراخه "فليسقط العقيد المضحك"، وأيضا مصر يوم قال القائل من قلب مسجده "فلينصر الرب هذه الثورة المباركة التي أتتنا بقاهرة المعز فوق طبق من ذهب"، ثم تونس طبعا والقناة إياها تصرخ "بنعلي هرب، بنعلي هرب"، والناس تتبادل الياسمين وأواقه فيما بينها علامة الارتياح والحبور والمسرة، ثم تلك الرحلات التي أصبحت يومية بين مختلف العواصم وبين تونس العاصمة حتى قال القائل "إن من لم يسافر إلى تونس الخضراء تلك الأيام لن يسافر في حياته أبدا". كم مر من الوقت على الربيع العربي الكاذب الذي قلنا له في حينه وأوانه وإبانه وفي وجهه "إنك كاذب"؟ مرت سبع سنوات كاملة ويزيد ومعاوية وبقية المتصارعين منذ الفجر الأول للأشياء. ما الذي تغير في أوصال الأمة غير تقطعها الكبير؟ في الحقيقة ولئلا نظلم التاريخ والجغفرافيا وبقية الدروس والحصص المقررة علينا: تغيرت أشياء كثيرة، في مقدمتها أن الناس لم تعد تصدق الشعارات الكاذبة، وهذا لوحده إنجاز كبير في هذا المكان القائم على كثير الأوهام.. في ذلك الزمن، زمن الهوندات والميكروفونات ومكبرات الصوت، وتمويل المسيرات كل نهاية أسبوع، تلك التي أسميناها مبتسمين حينها "البيك نيك الديمقراطي"، لم يكن ممكنا أن تقول للصارخين إن صراخهم مضيعة حقيقية ومجانية لحبالهم الصوتية وكفى. كانوا يرمقونك شزرا، كانوا يصفونك بأبشع الأوصاف، وكانوا يقولون لك "يا أخي استح على نفسك فإنك عدو للثورة وصديق للنظام ولكل الأنظمة". لم يكن ممكنا أن تتحدث مع كائن يمضي ثلاثا وعشرين ساعة أمام "الجزيرة"، فاغرا فاه، ومقفلا عقله، ومرددا الشعارات التي يسمعها تغنى أمامه دون أن يفرق بين اللهجات أو اللغات التي تقال بها تلك الشعارات. لذلك اختار أكثر الناس حكمة في ذلك الزمن، صمتا كثيرا وهدوءا أكثر وتركوا لأهل الشعارات أن يغنوا ماشاؤوا وما أرادوا من المحفوظات والأناشيد.. مرت الحملة، وقد كانت حملة بالفعل من نوع تلك التي تغنى بها باعروب الغيواني يوم صرخ صادقا هذه المرة "ياصاح راني وسط الحملة"، وشرعت الأمور في التداعي، وبدأ القوم يسألون أنفسهم وبعضهم البعض "أين الثمار؟" للأمانة التاريخية مرة أخرى هناك من قطف ثمارا كثيرة، وهناك من خرج من الربيع الكاذب بحلق مجروح لفرط الصراخ وكفى. هذه قاعدة قديمة وسنة من سنن الله في خلقه: أن يقوم أغبياء بالثورة، أن يموت فيها الشجعان، وأن يقطف ثمارها الجبناء لكن الأذكياء، أولئلك الذي يقفون في الخلف كل مظاهرة لئلا يمسهم أذى، أو الذين يجلسون زمن الهوة الرقمية وراء حاسوب ويشرعون في الكلام الكثير، ولا يصمتون إلا حين التأكد أن كلامهم قد أدى المراد منه. حينها يختفون، يسارعون إلى أماكن سقوط الفاكهة المحرمة والمحللة، لايهمهم ولا يفرقون، ويشرعون في الالتهام.. اليوم ليس مهما أن تعود سوريا منتصبة القامة مرفوعة الهامة إلى الجامعة العربية. هذا قول مضحك، لأن الجامعة العربية وهاته الصفات لا تلتقيان إلا نادرا. الأهم اليوم هو طرح السؤال على مدمني التفكير العميق حد الغباء القاطنين معنا في التابوت الممتد من الماء إلى الماء إن كانوا قد استفادوا شيئا من الدرس أم أننا ملزمون بالإعادة والتكرار لكي يتعلم الشطار ولكي يتعلم معهم في الوقت ذاته الحيوان اللطيف والمظلوم المسمى بالحمار.. تلك الجحافل من المرتزقة القتلة باسم الدين التي احتلت أرض الشام الخصيب، وأتت من كل حدب وصوب لكي تبيد الناس ولكي تنحرهم ولكي تقتل معهم الدين الإسلامي الصحيح وحدها درس فظيع وبشع ومرعب علينا أن نتذكره يوميا، قبل أن نصرخ بأي شعار غبي مستقبلا. ذلك القتل الذي رأيناه بذلك المقدار الخرافي، وذلك الرعب الذي تَوَزَّعَ فيديوهات وأشرطة موضبة بعناية كبرى داخل استوديوهات تنافس "اليونيفرسال" و"البارامونت" يكفينا لكي نسأل أنفسنا مستقبلا كلما طرح علينا أحد فكرة ثورة : وماذا بعد؟ لايكفي اليوم أن تخرج الناس إلى الشوارع، لكي تقتل بعضها البعض ولكي ترشق رؤوس بعضها بالحجارة وبالرصاص لكي تقول لنفسك إنك قدت ثورة وإنها نجحت. عليك أن تطرح السؤال العميق المرعب القاتل والصعب حد الاستحالة : مع من سأقوم بالثورة؟ وأي هدف سأحققه بها؟ وما المستقبل بعدها؟ لن يقول أحد إن هاته الشعوب التي ننتمي إليها قاصرة أو جاهلة أو أمية، أو أنها أصغر بكثير من فكرة الثورة على وضع ما، وهي التي لا تتوفر على شبهة تصور للوضع الذي يليه.. لا أحد يمكنه أن يقول هذا. ولا أحد يملك حق سب الشعوب وشتمها. الأجدر باللوم، الأحق بالسب، الأولى بكثير الشتائم حتى النابية منها تلك الطائفة التي تعتبر نفسها أعلى من الجميع، والتي تطلق على نفسها دون وجه حق وصف النخبة، والتي ترتاح في صالوناتها المخملية لمداعبة الموسيقى الكلاسيكية، ولصوت قطع الثلج القاسية وهي تتكسر تحت وقع الكونياك الرفيع والتي تتحدث طويلا دون أن تقول شيئا، وعطر زكي وغالي وأنيق يداعب الأنف منها قبل أن تخلص في نهاية كل "قصارة" إلى أن الثورة قادمة، ولا مفر منها لكن يجب قبلها أو بعدها أو في المنتصف، العثور على شعب يكون في مستوى هاته النخبة الكبرى حد الصغر، العظيمة حد حقارة لا وصف لها.. أولئك القابعون في تلافيف جبنهم يقولون لنا كلاما كثيرا لا يؤمنون به سبب بلاء الناس هنا والآن. لهم أن يتأملوا سبع سنوات بعدما ضاع حجم ماوقع، ولهم أن يرفعوا النخب عاليا مجددا في كل صالون يجتمعون فيه، لكي يتواعدوا خيرا، ولكي يعدوا بعضهم البعض بأشياء جميلة كثيرة، ولكي يتوعدوا بسطاء المكان بكثير الويلات وغير قليل من الشرور… ترانا قبل الربيع وقبل الشتاء وقبل الخريف وبعد الصيف الذي تعودنا أن نضيع فيه اللبن كل مرة نحتاج ثورة ثقافية صغيرة على هاته الأوهام وبعدها لكل حادث حديث أيها السادة؟؟؟ ترانا نحتاج هذا الفصل الذي لم نعرفه يوما في حياتنا فقط؟ مجرد سؤال للعام الجديد وللأعوام التي تليه إن كان في العمر بقية بطبيعة الحال...
|
|
2264 |
|
0 |
|
|
|
هام جداً قبل أن تكتبو تعليقاتكم
اضغط هنـا للكتابة بالعربية
|
|
|
|
|
|
|
|