حاول عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية ورئيس الحكومة المعزول، التخفيف من وقع خروجه المشبوه في لحظة حساسة حيث قال إن قضية عبد العلي حامي الدين هي "اليوم عند القضاء وليس عندي". وأضاف أنه حضر لجلسة المحاكمة كمواطن عادي "فمن حقي الحضور انتهى الكلام".
كون القضية بيد القضاء فهي من باب السماء فوقنا لأنها لن تكون تحتنا بأي حال، أما حضوره كمواطن عادي فهذا إشكال وإن لم يكن هو المهم عندنا هنا. فهو رئيس الحكومة السابق وهذه الصفة ملازمة له ملازمة امتيازاتها.
بنكيران يزعم أنه ضد الفوضى، وإن كان يبشر بها بين الفينة والأخرى، لكن خروجه أمام محكمة الاستئناف ليس محسوبا بأي حال من الأحوال، لأنه مهما كانت تقديراته ومهما كانت رغباته وما يريد أن يحقق من وراء ذلك فإن الأمر كان صعبا للغاية.
فحامي الدين متهم بالقتل مع سبق الإصرار والترصد. وكان بإمكان رئيس الجلسة أن يأمر باعتقاله من داخل القاعة، وله الحق في ذلك وكل مبررات توقيفه متوفرة، لكن لهيئة الحكم واسع النظر في هذه القضية، وقد تفضل محاكمته في حالة سراح، لكن لنفترض أن رئيس الجلسة أو أن ممثل النيابة العامة طالب بتوقيفه وتداولت الهيئة وقررت اعتقاله، أي موقف سيتخذه شباب البيجيدي؟ وهل بإمكان بنكيران استيعاب الموقف دون حدوث الفوضى؟
نعرف أن قادة العدالة والتنمية لا يمكن أن يتجاوزوا الحدود، ليس حبا في الوطن ولكن لقلة الشجاعة ونقصانها. غير أن عددا من الشباب البالغين اليوم 20 سنة لما فتحوا عيونهم على السياسة كانت أعمارهم صغيرة جدا يوم وجدوا بنكيران يزمجر ويتحدى المؤسسات ويقول إنه لا يهمه رضى الملك بينما أجيال أخرى تعرف أن بنكيران كان يهاب "مقدم الحومة".
الخوف ليس من بنكيران ولكن من جيل يعتقد أنه رجل مناضل وثوري بينما هو ينتقم فقط بعد أن تم عزله من رئاسة الحكومة. انزلاقات هذا الجيل خطيرة ولا يمكن لبنكيران أن يتحكم فيها، لكن القانون قد يطاله في حال الزوغان عن الطريق.
خروج بنكيران لا يختلف عما قام به مصطفى الرميد، وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، الذي شكك في استقلالية القضاء، بعدما كان من أهم المدافعين عنه، والشيء نفسه قام به الزعيم المعزول، وبما أن شكاية قد تم وضعها ضد الأول فيمكن وضع شكاية ضد الثاني وهي مهمة من أجل منع التأثير على هيئة الحكم.
من غرائب السياسة في المغرب أن حزبا سياسيا يقود الحكومة ويوجد في المرتبة الأولى بالبرلمان ويترأس جهات وجماعات ويتولى إدارة مؤسسات، يقف في وجه عائلة عزلاء إلا من شكاية وأمل في معرفة حقيقة مقتل ابنها ونيل الجناة جزاءهم وفق القانون. أليس هذه حكرة كبيرة يمارسها الحزب الإسلامي ضد عائلة الضحية؟