عبد الفتاح نعوم
مع اقتراب نهاية كل سنة وبداية أخرى، يثور الجدل في مواقع التواصل الاجتماعي حول “الجدوى الدينية” من الاحتفال برأس السنة الميلادية، ويطغى على رواد التواصل الاجتماعي الحديث عن موقف الدين الإسلامي من الاحتفال بهذه المناسبة، كما هو الشأن بخصوص الموقف من الاحتفال بعيد المولد النبوي وسائر الأعياد الأخرى.
ويتجه قسم هام من نشطاء التواصل الاجتماعي نحو الدفاع عن مشروعية الاحتفال والفرح بكل المناسبات السعيدة، معتبرين أن الدين لا يتناقض مطلقا مع إبراز مشاعر الفرح، وتثمين القيم الانسانية الكونية، خصوصا حينما يتعلق الأمر بالاحتفال بمولد السيد المسيح، في حين يرفض آخرون مجرد التفكير في ذلك، معتبرين أن الاحتفال مقتصر فقط على عيد الفطر وعيد الأضحى.
وفي هذا الصدد، قال الباحث في الدراسات الإسلامية، والخبير في قضايا الفكر الإسلامي المعاصر، محمد عبد الوهاب رفيقي المعروف بـ”أبي حفص”، إن “فتاوى تحريم الاحتفال بميلاد المسيح بن مريم وأعياد رأس السنة لم تكن إلا نوعا من رد الفعل من الفقهاء المسلمين الذين رأوا في هذه الاحتفالات تهديدا لهويتهم وعقائدهم، فاعتبروها بدعا منكرة، بل يمكن القول أن ابتداع الاحتفال بالمولد النبوي في القرن الرابع أو الخامس الهجري لم يكن إلا رد فعل أمام هذه الاحتفالات التي انتشرت ببلاد المغرب والأندلس”.
وتابع المتحدث ذاته من خلال تدوينة نشرها على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، مؤكدا أن كتب التاريخ تحكي “عن احتفال المغاربة بمولد عيسى ورأس السنة الفلاحية التي كانت هي رأس السنة عند سكان المغرب بلبس أحسن الثياب ونظم الأشعار وتبادل التهاني”، مستدركا بأنهم “كانوا كما يحكي الونشريسي في المعيار المعرب والعزفي في الدر المنظم يذبحون الذبائح، ويأكلون الإدام والفاكهة، ويتحدث ابن الحاج في المدخل عن العصيدة التي كانت تعد بمناسبة ميلاد المسيح وهي غير تلك التي كانت تعد رأس السنة الفلاحية أو ما يعرف باحتفال يناير”.
وأشار رفيقي في تدوينته إلى أن هذه الاحتفالات كانت قد لقيت “استنكارا من الفقهاء، إلا أن عامة الناس لم يلتفتوا لذلك، ولم يروا في هذه الاحتفالات أي تهديد للهوية والعقيدة، حتى كانت الموجات الوهابية التي غزت المجتمعات الإسلامية، فأحيت فتاوى التحريم والتبديع، وأعادت مثل هذا الجدل عند رأس كل سنة”.
وختم ذات المتحدث بالتأكيد على أن ذلك الصراع الهوياتي والعقائدي قد تم تجاوزه منذ زمن، معبرا عن تفهمه لـ “ردة فعل الفقهاء السابقين في إطار الحروب الدينية التي كانت يومئذ”، ومشددا على أن “العالم اليوم كله بكل أديانه وملله واتجاهاته يحتفل برأس السنة، بنهاية سنة وبداية أخرى، ويحترم أعياد كل الأديان بما فيها أعياد المسلمين، ويجري تبادل التهاني بين كل ملل الأرض عند كل مناسبة، بعيدا عن هذه الصراعات العقائدية”، ومعتبرا “الاحتفال بهذه المناسبات هو اليوم ثقافة وعادات وفرص للفرح والابتهاج، وليست عبادة حتى يقال عنها بدعة”.