حينما نتفحص الصورة التي يبدو فيها الوزير مصطفى الرميد في عراك مع رجال الأمن -الصورة أسفله- سيبدو من الوهلة الأولى أن هذا الشخص مصاب بمرض التوتر العصبي، ويتأكد الأمر حين نستمع إلى خطبه، وردود فعله أثناء اللقاءات الصحفية.
فالرجل سريع الانفعال، ونظرته تميل إلى السوداوية، ولا يتقن التفاوض للوصول إلى أهدافه والحصول على مبتغياته، فوسائله تتلخص في التهديد والاحتجا ج والمقاطعة.
ولعل مصطفى الرميد هو أكثر الوزراء تهديدا بالاستقالة من الحكومة، أو الانسحاب منها. فقد سبق أن أعلن في إحدى اجتماعات لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب، أنه اتخذ مرتين قرارات بالاستقالة من الحكومة، التي كان يقودها عبد الإله بن كيران؛ أي حين كان وزيرا للعدل والحريات. وعزا أسباب استقالته إلى الضغوطات التي تعرّض لها إثر قرار فتح المتابعة في ملف خالد عليوة، أما الاستقالة الثانية فتقدم بها إلى رئيس الحكومة بسبب مِلفّ قال إنه عرف تدخل “شخصيّة نافذة”،إلا أن بنكيران رفض هذه الاستقالة.
أما الاستقالة الثالثة إبان نفس الحكومة، فكانت بسبب رغبته في فرض زيادات في أجور القضاة لكن الحكومة ترددت في تبنيها، فانتفض ضدها.
ورغم أن تهديدات الرميد بالاستقالة أصبحت مملة، فقد هدد بها مرة أخرى سعد الدين العثماني، بسبب ما وصفه بالتهميش وبمعاناته من الفراغ، حسب مصادر صحفية. وحين فطن بأن هذه اللعبة تآكلت، ولم تعد تنفع، استبدلها بالعصيان والاحتجاج ومقاطعة مجالس الحكومة ما لم تقبل برمجة خططه ومشاريعه.
والملف الشخصي لمصطفى الرميد مليء بإهانات بعض الوزراء، فهو من نعت الحسين الوردي بالفاشل، وهو من دخل في خلاف علني مع والي بنك المغرب أمام أنظار الحاضرين لندوة حول التوازنات الاقتصادية في المغرب، وهو أيضا من تظاهر بالنوم أو نام فعلا في لقاء وزاري بأكادير ترأسه سعد الدين العثماني، إلى غير ذلك من المواقف والسلوكيات المثيرة للاستغراب، والتي يمكن تفسيرها بانعدام التوازن في شخصية هذا الرجل.
وإذا كان علماء النفس يقولون عن الإنسان العصبي إنه يسهل تمييزه عن الآخرين، فان مصطفى الرميد يمكن إدخاله ضمن هذه الزمرة، ولو باستعراض سريع لصوره وحركاته أو بتحليلها؛ فتارة تراه يصرخ، وتارة أخرى تراه ينام في المجالس والندوات، ومرات يبدو أنيقا بجلبابه، ومرات أخرى تراه ساخطا على هندامه ولحيته وملامحه؛ فلا تكاد تقول إن الشخص وزيرا في الحكومة، بل لا تكاد تصدق أحيانا أنه يملك قوت يومه -انظر الصورة-
إن الرجل العصبي كما يعرفه علماء النفس والاجتماع هو شخص سريع الانفعال والغضب حتّى في الأمور الصغيرة، وقد أكدت العديد من الأبحاث الاجتماعية أنَّ العصبية “مهما اختلفت مستوياتها فهي حالة من الجنون المؤقت تعتري الإنسان في أوقات معينة”، وبالتالي فلا يمكن الاعتماد على المصاب بها لبناء أوراش أو خلق تنمية أو أحداث تطور.
لكن سلوك التعصب الذي يظهر به مصطفى الرميد في بعض تصريحاته، قد يجعلنا نعيد القراءة في كل ما نقول،خاصة حين عمد إلى اهانة السياح الذي يزورون مراكش، واتهمهم بعصيان الله، والابتعاد عنه كما يبدو في الفيديو أسفله.
فتصريحات مصطفى الرميد أدت فعلا إلى غضبة عنيفة من المسؤولين المحليين والجهويين لمراكش، الذين طالبوه بالتزام الصمت، وعدم حشر أنفه فيما لا يعنيه، إلا أن هذا الرجل العصي فعلا عن الفهم والتحليل، استمر في إشهار ترهاته ضدا عن الحكمة والموضوعية والتوازن. فتعصبه لأفكاره وجماعته لا يجب استصغاره أو الاستهانة به أبدا، لأن خطاب الكراهية مرفوض في وطننا طالما أنه يحرض على العنف، وطالما أنه مدمر لاقتصاد وطن بأكمله.
وإذا كان مصطفى الرميد قد نجا من هذه الفضيحة، لأن المرحلة كانت حينها تقتضي كثيرا من الصبر، فإن تفسيره لاغتصاب الفتاة المنتحرة بالعرائش، بكونه فض بكارة برضاها، رغم صغر سنها، جر عليه ويلات كثيرة من الانتقادات اللاذعة، من لدن الحقوقيين والحركات النسوية.
وإذا كان التعصب هو تحيز أعمى لفرد أو لجماعة، أو لأفكار معينة، فإن موقف مصطفى الرميد من قضية عبد العالي حامي الدين؛ المتورط في شبهة المساهمة في قتل الطالب محمد بنعيسى آيت الجيد، هو نوع بارز من أنواع التعصب والانحياز غير المبرر للفرد أو للجماعة، خاصة أن هذا الوزير لم ينطق ببنت شفة في قضية مقتل سائحتين بنواحي مراكش، بالرغم من أنه وزير لحقوق الإنسان، ولذا فقد سارع بعض المحللين إلى وصفه “بوزير حقوق المنتمين إلى جماعته فقط”.
وجدير بالذكر، أن علماء النفس والاجتماع ما فتئوا يؤكدون على أن التعصب هو “شعور مرضي يفتك بالمجتمع، ويدمر ما فيه من روابط الألفة والمحبة والتعايش، ويدفع به إلى الضياع والتمزق”، وهذا هو مصدر الخطورة في تصريحات هذا الوزير، الذي يتقلد للاسف مسؤولية حقوق الإنسان، بعد أن كان وزيرا للعدل والحريات “ملاين ما شديتيها توحل ليك”.
فالرميد كان من المفترض بحكم مسؤولياته أن يندد بجريمة إمليل، كما كان من المفترض أن يعتبرها حزبه إرهابا ضد الحرية والعدل وحقوق الإنسان، وهو ما لم يشر إليه بلاغ الحزب للأسف، وما التزم إزاءه وزير “حقوق المنتمين للعدالة والتنمية” بالصمت الكامل، مما يؤكد أحادية رؤية الأشياء لدى هذا الرجل، الذي قد تصيبه بالانغلاق عن الآخرين، إن لم نقل إنها ستعرضه لاحقا إلى رفض الآخرين، ومن تم كراهيتهم.
لكن لماذا ياترى كراهية الآخرين؟ هل هي تزمت أم خوف من العزلة والتلاشي بسبب الأفكار التي يعتنقها الشخص المتعصب؟
إن الأجوبة على هذه الأسئلة سيقودنا إلى ملامسة مرض آخر غير العصبية والتعصب؛ وهو داء العصاب أو الرهاب.
فالعصاب هو نوع من أنواع الخوف، الذي يؤدي إلى اضطراب في الشخصية، وفي الاتزان النفسي، وهو ما يجعل صاحبه متسرعا في اتخاذ القرارات وردود الفعل، وذلك ما نلمسه بوضوح لدى وزيرنا في قطاع حقوق الإنسان.
ويؤكد علماء النفس أن الشخص المصاب بالعصاب “ترافقه في كثير من الأحيان أعراض هستيريا، وهواجس مختلفة”، رغم أن سلوكه قد يبدو عاديا في غالب الأحيان، إلا أن الخطير في الأمر هو أن علماء النفس يؤكدون بأن داء العصاب عصي العلاج، وأنه لا يمكن للمريض به أن يعالج نفسه بنفسه.
والآن، وقد استعرضنا بالصور أعراض نفسية قد تنطبق على شخص الوزير مصطفى الرميد، وسلوكه، خاصة على بعض تصريحاته الخطيرة،التي تمس أمن البلاد واقتصادها وتلاحمها،يبقى ان من اللازم التاكيد على ان سلوك هذا الشخص نابع من سلوك جماعته، حيث تتجدر مشاعر الانفرادية والذاتية والانتصار للأفكار المنغلقة.