أطل الأمير مولاي هشام من جديد من قناته المفضلة “فرانس 24” ليناقش مواضيع مختلفة، ليس بصفته خبيرا ولا باحثا ولا أستاذا جامعيا، ولكن بصفته أميرا، وابن عم الملك المغربي محمد السادس، كما ظل محاوره يلقبه طيلة اللقاء.
وبدا مولاي هشام المولع عشقا في صفة الأمير حتى سمى نفسه “الأمير الأحمر”، وعنون كتابه بـ”الأمير المنبوذ”، بدا جد مرتبك يحاول عبثا الدفاع عن آرائه التي تجاوزها الزمن، كما بدا غير متحكم في خطابه التواصلي، بعد أن خانته لغة موليير، وجعلته يدور في دوامة من الجمل الركيكة، والمصطلحات المكررة .
والجديد الذي حمله مبدع “ثورة الكمون” الوهمية، هو إعلانه للمشاهدين الذين يتتبعون هذه القناة الفرنسية، بأنه كاتب الملك محمد السادس منذ ثلاث سنوات، ليطلب منه تجريده من لقب الأمير، لأنه لم يعد راغبا في الانتماء إلى العائلة الملكية، “ولأنه يرغب في مزيد من الحرية والتحرر، وممارسة شيء من السياسة”.
ولعل الشيء الذي لم يستوعبه هشام العلوي، أو ربما يتجاهله، أن ما يخبر به الرأي العام العلوي هو شأن داخلي، يهم العائلة الملكية، ولا يهم أي شخص آخر على رقعة الكرة الأرضية، وبالمقابل فإن ما يهمنا ويهم المواطن المغربي، هو أن يلتزم هذا الشخص بأداء ما بذمته من ديون تجاه المتعاملين معه، وأن يؤدي مستحقات العمال الذين يشتغلون في ضيعته، لأن الدفاع عن الحق مطلب إنساني يهمنا جميعا مساندته، إلى أن ينال هؤلاء الضعفاء مستحقاتهم كاملة.
فـ”الأمير الأحمر” الذي يستأسد على الفقراء والمساكين، ينسى أن ما يملكه من ثروة كبيرة، لم تتأتى له بفضل محاضراته الجامعية، أو حواراته التلفزية، أو كتاباته الصحفية، بل حصل عليها بفضل اللقب الذي يحمله، والإرث الذي حصل عليه من أسرته، كما أن صفة الأمير هي من جعلته يحظى بالاحترام والتقدير من طرف ممثلي الدول، والمؤسسات، والمنظمات الدولية، وكذا مراكز البحث والدراسات، ووسائل الإعلام.
وإضافة إلى هذه المرجعيات المرتبطة باللقب، فإن هشام العلوي يحظى في الأوساط المغربية والدولية بالاحترام والتقدير بفضل انتمائه للأسرة الملكية، كما أن العديد من المهضومة حقوقهم بسبب سلوكيات الأمير الأحمر، غالبا ما يترددون في الالتجاء إلى القضاء، احتراما وتقديرا لابن عمه، وللأسرة العلوية التي ينتمي إليها هذا الشخص.
فالحلقة المفقودة في كلام الأمير وتحدياته، هي أن عليه أن يتنازل أولا عن كل الأموال والأملاك التي حصل عليها بفضل لقب الأمير، ومن تم فله أن يكاتب ابن عمه ليطالبه بتجريده من هذه الصفة، كي يتمكن لاحقا من ممارسة السياسة كما يحلو له.
أما إذا كان ينوي التحول إلى مناضل عالمي ليدافع عن الديموقراطية وحقوق الإنسان، فما عليه سوى أن يؤدي مستحقات عمال ضيعاته الضعاف، وأن يحرص أيضا على حقوق الآخرين قبل الخوض في غمار الدفاع عنها على الموائد المستديرة وفي وسائل الإعلام.
فشتان بين من كان همه الإستثمار هنا وهناك، عبر أصقاع العالم، وبين طينة الذين نذروا حياتهم من أجل الديموقراطية وحقوق الإنسان.
وإن كان مولاي هشام الذي يستمر في عقوقه تجاه الأسرة الملكية، يعتقد أن ما ينشره من مقالات هو الحقيقة، وأن ما يصرح به عبر القنوات التلفزية منتقدا النظام السياسي للبلاد هو شجاعة، فليعلم أنه إضافة إلى العقوق والجحود فهو مصاب بداء الهلوسة، التي حولته إلى عراف، يتنبأ بمستقبل الحكم في المغرب، ولو كانت نبوءاته صحيحة لصحت حين تنبأ بنجاح حركة “عشرين فبراير” أو قيام “ثورة الكمون” التي وعد بها، فلا رائحة الكمون فاحت، ولا حركة عشرين فبراير دامت، ومع ذلك استمر صاحبنا في بناء أبراج عالية من رمال واهية.
وحَسْبُ الأمير العاق تجاه أسرته، ووطنه وشعبه أن يدرك بأنه اطلق العنان لاحلامه منذ نهاية القرن الماضي، وهانحن قضينا ما يقرب من عشرين سنة من القرن الجديد ومن حكم محمد السادس، والمغرب يزداد استقرارا وتنمية وريادة، اما الامير المنبوذ، كما سمى نفسه، فيزداد تهميشا وضياعا بعد أن تأكد لاصدقائه الذين آمنوا يوما بافكاره بانها مجرد ترهات، فنبذوه في العراء، يتردد على قناة فرنسية، اغلب العاملين فيها من الدولة الجزائرية.
وحسب هذا الشخص الذي فشل في تحقيق ذاته في البحوث والاستشارات، فالتجأ ليجرب صوته في الغناء، فوجده لا يليق حتى لإخافة الطيور، ولطردها عن حقول القمح والشعير.
أما تكهنات الأمير بمستقبل النظام المغربي، فهي تشبه إلى حد كبير حلمه بـ”ثورة الكمون” أو حلم الراحل عبد السلام ياسين بـ”القومة”، فالحكم العلوي انطلق في المغرب منذ 1666، وسيستمر إلى ما شاء الله أن يستمر، بعيدا عن تكهنات المنجمين .
بقي شيء واحد لم يجربه الأمير المنبوذ، وهو أن يمد يديه إلى عينيه كي يمسح عنها الرمد، وضعف النظر، لعله يرى الحقيقة التي ظلت غائبة عنه طيلة كل هذه السنين.