لفهم كثير من المواقف لابد من معرفة خلفياتها. وما أقدم عليه مصطفى الرميد، وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، ليس ناتج تشنج ولحظة غضب، ولكنه يندرج ضمن تصور أبناء حزب العدالة والتنمية للمؤسسات، فهم لا يرون في أنفسهم جزءا منها وهم يتولون رئاسة الحكومة وعددا من الوزارات المهمة، ولكنها بالنسبة إليهم مجرد أداة من أدوات التمكين لحركة الدعوة التي تمثلها التوحيد والإصلاح.
علاقة الإخوان في العدالة والتنمية بمؤسسات الدولة تبقى ملتبسة وغامضة، وهم أصلا لا يتوفرون على تصور واضح لمعنى ومفهوم الدولة، فكل ما يحوزونه مجرد شعارات لا تختزل إطلاقا توفرهم على مشروع مكتمل، ولهذا لما وصلوا إلى الحكومة قارنوا أنفسهم بدول أخرى وصلوا فيها إلى الحكم واختلط عليهم الحابل بالنابل وتغولوا كثيرا وحاولوا قضم المؤسسات، ولم يتيسر لهم ذلك بالنظر لعمق وقوة مؤسسات الدولة في المغرب.
بين يدينا نموذجان فقط لتصور هؤلاء للدولة، ولكن هناك نماذج عديدة، ونكتفي بالاثنين فهما أكثر بلاغة وصدقا من كل التعابير عن تصور الإخوان لمفهوم الدولة.
النموذج الأول: كان عبد الإله بنكيران، الأمين العام السابق للعدالة والتنمية ورئيس الحكومة المعزول، في لقاء بأحد المعاهد الخاصة بمدينة وجدة العامرة، وبالنظر للإجراءات الكثيرة التي اتخذها وكانت لها نتائج سلبية على حياة المواطن، انتفض في وجهه عشرات الطلبة، رافعين شعارات منددة بسياسته وسياسة حزبه، وبغض النظر عن صواب هذا الفعل من عدمه، فإن ما يهمنا منه هو الخلاصة. بنكيران رفع صوته عاليا وبنبرة خوف شديد قائلا "عيطو للدولة".
ما دلالة هذا الكلام؟ بنكيران كان يسعى للتخلص من الورطة، وقصد النداء على عناصر الأمن. لكن منطق شخصنة الدولة أو اختزالها جعله يخلط بين عناصر محددة تعمل في إطار مؤسسة من مؤسسات الدولة وبين الدولة. هو نفسه كان جزءا من الدولة باعتباره رئيسا للحكومة، لكنه ظل يعتقد أنه خارج الدولة، وهو ما أكده عندما قال "لن نسلمهم أخانا حامي الدين". تسليم المتهمين والمجرمين يكون بين الدول.
النموذج الثاني: على حداثة عهد الإخوان بقيادة الحكومة، وبعد الموافقة البرلمانية على قانون التعيين في المناصب السامية، أعد رئيس الحكومة حينها بمعية إخوانه لائحة بأسماء المرشحين لمناصب المسؤولية في الكتابات العامة والمديريات. وقبل المرور إلى دراستها والتصويت عليها في المجلس الحكومي، اعترض وزير الداخلية قائلا: إن المغرب دولة ومؤسسات ولا يمكن استسهال التعيين في المناصب السامية، لأن من يتقدم لموقع مثل هذا لابد أن تقوم مؤسسات الدولة بالبحث في قدرته على تولي المنصب، لأنه لا يمكن منح مثل هاته المناصب لأشخاص غامضين وفي النهاية نكتشف أنهم من تجار المخدرات أو ميولاتهم السلوكية لا تليق بالمنصب المحدد، ومن يومها فهم بنكيران القضية.
نموذجان للدلالة على التصور الغامض للدولة لدى العدالة والتنمية وهو الذي يحكم انتفاضتهم اليوم في قضية حامي الدين. فلو كانوا يؤمنون بالمؤسسات لدافعوا عن القضاء وانتظروا المحاكمة للدفاع عن "أخيهم".