في (21 يناير 1954)، خرج سكانُ الريف، وأعيانُهم، وشيوخُ قبائلهم، في مظاهرات صاخبة، ضد تنصيب [محمد بن عرفة] كملكٍ جديد للمغرب، ونفْي الملك الشرعي (محمد الخامس) طيّب الله ثراه، إلى جزيرة (مدغشقر): أوردتْ هذا الخبرَ، جريدة [الفيغارو] في صفحتها: [la vie dans le monde].. لم تتدخّلْ قواتُ الجنيرال [فرانكو] لمنع هذه المظاهرات المندِّدة بما أقدمتْ عليه [فرنسا].. وفي (05 مارس 1954) تعرضَ [ابنُ عرفة] في (مراكش) لهجوم قبْل وصوله إلى المسجد؛ وفي يوم (25 ماي 1954) أُلقيَتْ قنبلةٌ يدوية على موكب المقيم العام الفرنسي [الجنيرال غيوم] فخلّف الهجومُ قتيلاً، وأربعة جرحى.. وفي مدينة [فاس] يوم (02 غشت 1954) حدثتْ اصطداماتٌ عنيفة مع القوات الفرنسية، أسفرتْ عن سقوط سبعة قتلى من المطالبين بعودة الملك (محمد الخامس) إلى عرشه.. كانت [فرنسا] تعتقد أنّ بنفيها للملك الشرعي، سوف تهدأ الثورة في (المغرب)؛ ولكنّ الثورةَ تأجّجتْ في البلاد.. وبهذه الحقائق الموثَّقة نسفِّه ادّعاءات مَن يدّعون كذبًا أنّ منطقة الريف، تريد الانفصال؛ كلاّ! فهذه ترّهات أعداء الوحدة الترابية للوطن..
كانت أحوال [فرنسا] في (المغرب) تتدهور يوما بعد يوم؛ وفي يوم (21 غشت 1955)، حدثتْ مجزرةُ (وادي زمّ) حيث هُوجم الفرنسيون، وكان عددُ القتلى مرتفعًا، وقالتِ الصحافةُ الفرنسية إنّ هذه الأحداث تؤكّد أنّ الملك [ابن عرفة]، ورغم حماية [فرنسا] له، فإنه غيْر قادر على ضمان الأمن، والاستقرار في [المغرب]، ولابد من إيجاد حلّ لهذا الوضع.. حدثت مأساة (وادي زمّ) وهي مدينة توجد شرق (الدار البيضاء)، وتبعد عنها بما يناهز (130) كيلومترًا، وهذه الأحداث تذكِّر بأحداث (الدار البيضاء) في شهر (يوليوز) الماضي، حسب ما أوردته الصحافةُ الفرنسية في حينه.. فما هو الحل أمام [فرنسا]؟ الحل كان هو عودة الملك (محمد الخامس) طيّب الله ثراه إلى البلاد، عبْر (باريس) بعدما وضع إكليلاً من الورود في (قوس النّصر).. وبعد مقابلة مع جلالته، صرّح السيد [بيناي] للصحافة بتصريح قال فيه: [إنّ المفاوضات ستبدأ من أجل استقلال المغرب]..
في يومي (3 و4 مارس) سنة (1956) انعقد اجتماعٌ لمناقشة تفاصيل استقلال (المغرب)؛ ترأسه من الجانب الفرنسي السيد [كريستيان بينو] وزيرُ خارجية [فرنسا]، والسيد [البكّاي] رئيسُ الحكومة المغربية.. واعتُرِفَ في هذا الاجتماع باستقلال (المغرب) رسميًا، وبحقّه في تكوين جيشه، وأمْنه، ودبلوماسيته؛ وممثّل [فرنسا]؛ وهكذا تكون حكومةُ [غي موليه] قد طوتْ صفحةً، ولكنْ هناك تفاصيل تتعلّق بمصالح [فرنسا] بعد استقلال (المغرب) سوف تناقَشُ لاحقًا عبْر لجان مشتركة.. اختار (المغرب) يوم (18 نونبر) كيوم مجيد لتخليد (عيد الاستقلال)؛ فهنيئا للمغرب باستقلاله، ومبروك لملك المغرب وشعبه المخلص، وجازى الله المقاومين عن تضحياتهم، ورحم الله الشهداء وأسكنهم فسيح جنّاته، ثم [هل جزاء الإحسان إلاّ الإحسان] صدق الله العظيم.
في يوم (26 يوليوز 1957) قرّرت الجمعية الوطنية إلغاء الملَكية في (تونس)، وقال الرئيسُ [الحبيب بورقيبة] إنّ الملك [سيدي الأمين باي] لم يبذلْ أيَّ مجهود لمقاومة المستعمِر الفرنسي، وتقرّر الاعترافُ الرسمي باستقلال (تونس) يوم [20 مارس 1956].. قال جلالةُ الملك (محمد الخامس) طيّب الله ثراه إنّ استقلالَ (المغرب) سيكون ناقصًا، ما لم تستقلّ الشقيقة (الجزائر)، وهكذا؛ استمرّ جهادُه من أجل استقلال هذا البلد الشقيق، والجار، وقد عانى المغربُ مشاكلَ بسبب مسعاه هذا، حتى نالت (الجزائر) استقلالَها، وكان ذلك اليوم، يومَ عطلة في (المغرب).. قال جلالةُ الملك (محمد الخامس) طيّب الله ثراه، في خطابٍ مخاطبًا فيه وريثَ عرشه (الحسن الثاني) قدّس الله روحَه: [وكُنْ يا بُنيَ ديموقراطيَ الطّبع، شعْبِيَ الميول والنّزَعات؛ واعْلمْ أنّ أجدادَكَ ما وصلوا إلى الـمُلك قهرًا..]، ممّا يبيّن أن الملك في المغرب، هو ملِك الجميع، ويشارك في الاحتفالات الرسمية، والشعبية، والموسمية، والجهوية، مع المغاربة، باختلاف أعراقهم، وأصولهم، ممّا يجعل الملكيةَ أنسب لهذا البلد الذي لقّبه المؤرّخون (بلد النّبلاء)؛ والملكيةُ يعتبرها [مونتيسْكيو] أحسن الأنظمة لأنّ مبدأَها هو الشرف؛ ومَن لا شرَف له، لا قيمةَ له إطلاقا.. هذه حلقات صُغناها، وكم تعبْنا في البحث عند إنجازها، وما أردنا بها إلاّ وجه الله خالصًا، خدمةً للملكية، والوطن، والأمّة، ولا نريد من ورائها إلا جزاءَ الله وأجْرَه، وشكرًا لله تعالى، وشكرًا للقرّاء الكرام، على اهتمامهم، ومتابعتهم لهذه الحلقات؛ ولهم كلّ الفضل.
صاحب المقال : فارس محمد