وللرقية عندنا كلام لابد من قوله، وإن أغضب مجددا السنافر الغاضبة، التي لم تعد تعرف حتى لماذا هي غاضبة.
هاته الرقية التي نراها ونعايشها في شوارعنا وأزقتنا ودروبنا ليست رقية شرعية. هي رقية جنسية. وهي رقية نفسية، وهي رقية مَرَضِية وهي رقية تجارية..
فأما الجنس فواضح نسبتها إليه ونسبته إليها، لأن الأمر يتعلق عادة بأطباء معالجين يعانون من عقدة حقيقية في المجال تجعلهم غير قادرين على الحديث مع الجنس الآخر بطريقة سوية، كأن يتقدم الإنسان بشكل عادي وطبيعي إلى الإنسانة التي تعجبه، فيطلب منها رقمها الهاتفي أو يصارحها بولهه وتبدأ العلاقة. لذلك يضطر هؤلاء المرضى إلى فتح أبواب منازلهم وحفظ بعض الآيات القرآنية وانتظار الضحايا لكي يمارسوا عليهن، وليس معهن والفرق كبير جدا، جنسا من النوع المرضي الذي يستطيع أصغر طالب في أول سنة من سنوات كلية علوم النفس أن يشرح مختلف الاختلالات المحيطة به..
وهي رقية جنسية أيضا، لأن عددا كبيرا من الوافدات اللائي يتخيلن أنفسهن مريضات يعتقدن أن جنيا بجلالة قدره قرر أن يمنعهن من الزواج، وقرر بالتالي أن يمنعهن من ممارسة حياتهن الجنسية المرتبطة لديهن بالزواج، فلم يجدن من وسيلة لحل الإشكال مع العالم السفلي للجن، ومع عوالم جسدهن السفلية، إلا الذهاب إلى هؤلاء النصابين لكي يجدن لديهم دواء لم يجده النصاب لنفسه أولا فكيف سيجده لضحيته المسكينة؟
وهاته الرقية رقية نفسية، لأنها تتعلق بأدواء وأمراض نفسانية مستشرية في مجتمعنا كما في مجتمعات أخرى، سوى أن مجتمعات التحضر فهمت حكاية المرض النفسي أو التعب النفسي هاته فقررت أن تخصص لها الأبحاث والدراسات العلمية، وقررت أن يتناولها الطب الحديث ضمن مايتناوله، وقررت أن تتعامل مع المتعب أو المريض نفسيا تعاملا سويا عاقلا بألا تعتبره أحمقا أو "مسطيا" مثلما تفعل مجتمعات التخلف، فيما نحن نعتقد أن أول من يضع قدميه عند طبيب نفساني للعلاج من حالة اكتئاب أو تعب أو إحباط هو مجرد أحمق علينا أن نضعه في "بويا عمر" الذي أقفلناه نظريا وتركناه مفتوحا عمليا، أو علينا أن نتبعه في الشوارع ونضربه بالحجر ونحن نصيح "العبيط أهوه"
وهاته الرقية الظالمة رقية مَرَضية لأنها عنوان وهن جماعي ودلالة مرض يلمنا جميعا تحت لوائه بحمد الله ورعايته. ولا أتذكر اليوم إسم الوزير أو المسؤول الذي قال إن خمسين في المائة من المغاربة يعانون من أمراض نفسية، لكنهم يرفضون التسليم بذلك. وأعتقده الحسين الوردي، وأتصوره صادقا إلى حد بعيد، لأن عددا كبيرا من تصرفاتنا في الشارع، وفي العمل، وفي المنازل، وفي المقاهي، وأثناء قيادتنا لسياراتنا، وأثناء تجوالنا مع بعضنا البعض، وأثناء ركوبنا الحافلات أو القطارات أو سيارات الأجرة بكل أنواعها، هي تصرفات تقول لنا إننا فعلا "شي شوية لاباس"، ولكننا لانريد الاعتراف بذلك ونعتبر أننا أكثر خلق الله على هاته البسيطة وفي الكواكب الأخرى عقلا وحصافة وكل شيء جميل..
ثم هاته الرقية الكارثة رقية تجارية لأن "الناس دارت بيها لاباس"، ولأن الأمر يتعلق كما في الشعوذة والسحر وبيع المخدرات بعملية تجارية مربحة للغاية، لديها زبائن كثر لا ينتهون، بل يتزايدون يوما بعد الآخر.
وبحمد الله ورعايته، والله سبحانه وتعالى هو الوحيد الذي نحمده على المكروه مثلما نحمده على الفرح، لايبدو أن الأمر سيتغير أو أن الأعداد ستتناقص، لأننا نسينا تعليم الناس، ونسينا تربيتهم، ونسينا مدهم بالوسائل التي سيواجهون بها العصر الحديث، وتركناهم عرضة للجهل وفريسة للأمية، يستطيع أول نصاب عابر، وأول مشعوذ مار أن يضحك منهم، وأن يسلبهم نقودهم، وأن يفرض عليهم فوق ذلك أن يشكروه شكرا كثيرا على مافعله بهم.
هل تتذكرون مكي الصخيرات الذي كان يعالجكم بالإشعاعات الخارجة من يديه أيها السادة؟
طبعا تتذكرونه، وكل واحد منكم لديه في مدينته أو قريه أو حيه أو شارعه مشعوذة أو نصاب، يعرف إسمه ويسمع عن مغامراته، بل ويعرف أسماء من يقصدونه ويذهبون إليه لكي يطلبوا منه كراماته الكاذبة.
المشكلة في حكاية هاته الرقية الكارثة هي أنها تلبس لبوس الدين، وترتدي مسوح الآيات القرآنية. وإذا ماقلت لنصاب من هؤلاء إنك مشعوذ تخدع الناس، قال لك إنك كافر ولا تصدق أن القرآن يشفي الناس
القرآن فيه شفاء للناس شرط أن تضعه في صدرك، أي أن تحفظه، أو شرط أن تختلي بنفسك في مكان ما وتشرع في قراءته بكل خشوع بينك وبين خالقك
أما إذا ذهبت إلى مشعوذ أو نصاب من هؤلاء المجرمين وطلبت منه أن يرقيك، فاعلم حفظك الله أن الراقي الوحيد الحقيقي الموجود في البلاد هو عصام الذي لعب في الرجاء ذات يوم خلال الكأس العالمية والذي يلعب هاته الأيام في اتحاد طنجة
ماعداه "الكذوب فالكذوب" والله أعلم من قبل ومن بعد بطبيعة الحال