عبد الفتاح نعوم
لا يمكن للمغاربة أن ينسوا لحظات اعتصر فيها الألم قلوب الجميع، حينما باغتتنا الأنباء حاملة خبر رحيل ملك عظيم لن يجود الزمان بمثله، رحيل الملك الحسن الثاني، وكانت المرة الأولى التي يرى فيها الكثير منا أعين آبائنا تفيض بالدمع ألما وحرقة على فراق ملك أحبوه، في مشهد لم يعشه المغاربة منذ أن رحل والد المغاربة الملك المغفور له محمد الخامس.
يوما ما رحل باني المغرب الحديث، وغيب الموت ملكا له الفضل على كل مغربي ومغربية إلى أبد الآبدين، ونحن نعيش ذكراه اليوم نستحضر آثاره الجمة على المغرب الحديث، حيث هو من بناه على مدار عقود وعقود، بدأها شابا خاض غمار الكفاح الوطني من أجل التحرر، ومثقفا ألمعيا استطاع جعل العالم يحترم المغرب وعراقته، وصنع له مكانة مرموقة بين الأمم.
يتذكر المغاربة في هذا اليوم بأنهم فقدوا ملكا له الفضل في تشييد أساس الدولة الحديثة الموحدة التي ننعم جميعا اليوم بأمنها واستقرارها، وشد أزر لحمة شعبها وثقافتها العريقة، إلى الحد الذي أصبح معه محيطنا يستطير لهبا، والمغاربة ينعمون في سلمهم وأمنهم، متشبثين بالمكتسبات الراسخة التي ناضل من أجلها الحسن الثاني طيلة حياته.
قبل الاستقلال عمل الأمير الشاب مولاي الحسن في صفوف الحركة الوطنية، وقاد حركة التحرر الوطني من ربقة الاستعمار، وتحمل المنفى رفقة والده المنعم، الملك الخالد محمد الخامس، ولم يتنازل قيد أنملة عن مصالح المغرب التاريخية وحقوق المغاربة في كل المحطات التي احتك فيها بالمستعمر وبرجالاته.
وبعد الاستقلال لم يهدأ بال الرجل حتى وضع للدولة المغربية الحديثة أساساتها، وراهن على المواءمة بين عراقة المغاربة وبين مستلزمات العصر الحديث، بانيا مغربا مشرقا، مغرب المؤسسات الدستورية، ومغرب الحكم الرشيد.
فترة حكم الحسن الثاني التي امتدت من بدايات الستينيات إلى نهاية التسعينيات كانت حقا ورشا مفتوحا في كل اتجاه، وخلالها تذوق المغاربة حقيقة ومعنى الدولة الحديثة، دولة المؤسسات التي ينبهر العالم أجمع بها، حيث في عهده بنيت معظم السدود التي بفضلها ينعم المغرب اليوم بأمن غذائي حقيقي، وخلالها بنيت كبريات القناطر والجسور والطرق السيارة.
يتذكر المغاربة للراحل الحسن الثاني نضاله القوي في سبيل الوحدة الترابية للمملكة الشريفة، فالرجل وقف في وجه جميع خصوم الوحدة الترابية، مضى إلى نهاية الشوط، ولم يتنازل قيد أنملة عن حبة واحدة من تراب المغرب الذي ضحى الأجداد من أجله بالدماء والأرواح، وفي هذا الصدد لا ينسى المغاربة للراحل الحسن الثاني في ذكرى رحيله جهده الجهيد من أجل تنظيم المسيرة الخضراء، التي كانت بحق حدثا وطنيا ودوليا هز جميع الأرجاء، وأعاد الصحراء إلى مغربها ضدا على كل مناورات الاستعمار وخصوم الوحدة الترابية المغربية.
بكى المغاربة يومها لأجل هذا الهرم الشامخ الذي فقدناه جميعا، ولا يعزينا فيه سوى استمرار جلالة الملك محمد السادس على دربه في ترسيخ مكتساب المغرب في جميع المجالات، وتقوية حضور المغرب بين الأمم والشعوب، وتمكين المواطن المغربي من المزيد من الحقوق والحريات، حتى أصبح المغرب خلال سنوات قليلة منارة تضرب بها الأمثال في كل العالم.
عند كل ذكرى لوفاة الملك الراحل الحسن الثاني، يعتصر الألم قلوب المغاربة أجمعين، بقدر ما ترتفع أكف الضراعة مهللة لقداسة روح باني المغرب الحديث، ومستبشرة بعطاءات الملك محمد السادس والخيرات الجمة التي حققها المغرب في عهده الميمون.