أجود تعبير عمّا قامت به التوحيد والإصلاح والعدالة والتنمية وبعض الوزراء، هو ما قاله أحد نواب الملك الذي وصف هذه الحركة بالنفير. وهذا المفهوم يعني الاستعداد للمواجهة ولو بخلق الالتباس والغموض. حركة التوحيد والإصلاح اعتبرت قرار إحالة عبد العالي حامي الدين على المحاكمة بتهمة القتل العمد مسا بمبدإ استقرار الأحكام القضائية واستمرارها، وتشويشا على الجهود الحقوقية التي يبذلها المغرب في إصلاح منظومة العدالة.
وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، انتفض بشكل غير طبيعي، وخرج بتدوينة خطيرة، تم تضمينها في بلاغ الحزب، وجاء بعده الفريق البرلماني للحزب بمجلس المستشارين، الذي اعتبر أن المتابعة تعد "خرقا خطيرا لقاعدة مسطرية تشكل ضمانة أساسية لحقوق وحريات الأطراف (وهي سبقية البت)، وهو ما يستوجب المحاسبة طبقا لمقتضيات المادة 97 من النظام الأساسي للقضاة"، وحذر، "من إقحام القضاء لتصفية الحسابات السياسية مع الفاعلين الحقوقيين والسياسيين والنقابيين ورجال الصحافة والإعلام".
وركز أبناء العدالة والتنمية على ما أسموه العدالة الانتقالية. ولن نعود للحديث عن سبقية البت، التي تناولناها في عدد أمس. وسنركز اليوم على مفهوم العدالة الانتقالية. اعتبر الإخوان، وهم غاضبون لا ينصتون لصوت العقل، أن قضية حامي الدين تدخل ضمن العدالة الانتقالية، بمبرر واحد هو أنه حصل على مبالغ مالية مهمة من هيئة الإنصاف والمصالحة، وبالتالي هو اعتراف باعتقاله السياسي.
العدالة الانتقالية أقرتها دول قليلة في العالم، وعلى رأسها المغرب، وتعني القطع مع مرحلة سياسية وبداية أخرى. إغلاق مرحلة الاعتقال السياسي وفتح باب الحريات السياسية. اعترفت الدولة بأخطائها فيما يتعلق بعدم احترام مساطر الاعتقال وظروف الاحتجاز، ورفض البعض التعويضات مثل المناضل الراحل أحمد بنجلون.
غير أن هناك عنصرًا مهمًا جدا فيما يخص العدالة الانتقالية يتعلق بكون القضية بين طرفين واضحين، الدولة وضحايا انتهاكات حقوق الإنسان من المعتقلين السياسيين السابقين. ولم يتم نهائيا تدخل هيئة التحكيم وجبر الضرر أو هيئة الإنصاف والمصالحة في قضايا لها طرف مدني مطالب بالحق.
في قضية حامي الدين يوجد عنصر ثالث في متابعته بتهمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد. هذا العنصر هو وجود ضحية ووجود عائلة للضحية ما زالت مصرة على إحقاق العدالة، وتعتبر أن جثة ابنها لم تبرد في قبره ما دام القاتل ينعم بالحرية وبالخيرات أيضا. مجرد وجود طرف مطالب بالحق المدني يلغي مبدأ العدالة الانتقالية في القضية، لأنها ليست قضية سياسية ولكن جنائية تهم قاتلا وعائلة قتيل.
إذن الدفع بمفهوم العدالة الانتقالية من أسوإ الدفوعات التي يتذرع بها المدافعون عن حامي الدين، لأنه سهل السقوط ولا يحتاج إلى مبررات كبيرة وأدوات منطقية، بل هو ساقط منذ إطلاقه، وبالتالي فإن حامي الدين متهم بالقتل، وقد يكون بريئا وهذا شأن المحكمة، لكن من غير المعقول الخلط بين صفته السياسية ومحاكمته الجنائية.