استفاقت [فرنسا] يوم (06 فبراير 1934)، على اضطرابات دامية، استمرّت ثمانية أيام، وخلّفتْ (12) قتيلا، ومئات الجرحى؛ كان الشعار: [يسقُط اللصوص؛ تحيا فرنسا!].. كان الوضع خطيرًا، ينذر بنهاية [فرنسا] كدولة.. جاء ذلك بعد العثور على جثة المستشار [فرانس] ممزّقة تحت قنطرة في مدينة [ديجون]، كان هذا قد رافع في قضية انتحار [ستافيسكي]، وقال: [إذا تحدّثتُ، فإنّ (150) برلمانيا يجب أن يدخلوا السجن].. ويوم (13 فبراير 1934) شلّ إضرابٌ [فرنسا] من أقصاها إلى أقصاها.. التاريخ يعيد أحداثَه؛ فالاضطرابات التي شهدتها [فرنسا] في شهر (نونبر 2018) لا تختلف عن اضطرابات (06 فبراير 1934) بسبب ما سُمِّيَ فضيحة [ستاڤيسكي] المالية؛ واضطرابات (نونبر 2018) كانت بسبب (سرقات) من وراء غطاء المحروقات، والشعار المرفوع واحد: [ليسقُط اللّصوص!].. صارت [فرنسا] غير آمنة، وبدت وكأنها تحتسي من كؤوس مُرّة؛ اصطنعتْها عنوة في [المغرب] عن طريق الكذب، والمكر، واصطناع الفوضي، ولكنْ ما تعيشه الآن، كان بسبب سياستها وليس مصطنعًا.. صار الوضعُ خطيرًا، وغير آمن.. ففي (10 أكتوبر 1934) كان الملك [أليكساندر] ملكُ [يوغوسلاڤيا] في زيارة لفرنسا، فتعرّض لعملية اغتيال في مدينة [مرسيليا]، فقدّم وزيرُ الداخلية (سارُوت) استقالتَه من منصبه يوم (12 أكتوبر)، وطُرِحَ السؤالُ في ما إذا كانت [فرنسا] كدولة، ما زالت موجودة فعلاً؟
لقد سبق لفرنسا أن قصفت بالبوارج الحربية مدينةَ (الدار البيضاء) بدعوى الحفاظ على الأمن، مع إنزال فيالقَ عسكرية على شواطئها، لأنّ [المغرب] مهدّدٌ بما أسمتْه [الأنارشي]؛ والآن، ماذا تقول في [الأنارشي] في ساحة (كونكورد)؟ مَن الذي يعاني حقيقة من الفوضى المدمّرة، [فرنسا] أم [المغرب]؟ ولكن [فرنسا] المنافقة، ألِفتْ إلقاءَ عيوبها وراء ظهرها، وافتراش عيوب غيرها؛ هكذا ألفْناها عبْر تاريخها الأسود المليء بالكذب، والنفاق، بهدف سرقة حقوق غيرها، و[المغرب] كان وما يزال من أبرز ضحاياها إلى يومنا هذا، يساعدها في ذلك عبيدُها، وعبدَتُها، وعملاؤُها.. فمن أبّد التخلُّفَ في هذا البلد غير [فرنسا]؟ من علَّمنا النفاقَ، والرشوةَ، والخيانة، غيْر [فرنسا]؟ من وظّف الدّينَ في الاستعمار غيْر [فرنسا]؟ من يُفشِل الإصلاحات في شتى القطاعات، غير كائنات بشْرَتُها مغربية، وقلوبها فرنسية، تعيش فسادًا في بلادنا؟ مَن علّمنا ممارسةَ (القِردِية)، وتقليد [فرنسا]، واتّباعها خطوةً خطوةً، حتى إذا دخلتْ جُحْر ضَبٍّ، دخلناه؟ مَن وصفَ بلادنا بـ(العاهرة)، و[فرنسا] تمارس (زِنَا الأمم) حيث يدافع عنها رجالٌ ليسوا منها كلّما احتُلَّتْ، فيما [المغرب] دافع عنه رجاله عبْر تاريخه المجيد؛ فأين توجد العهَرةُ إذن، و(زنا الأمم)، في [فرنسا] أم في [المغرب]؟ أجيبوني أنتم، ولكم كل الفضل! تجد كتّابًا احتقروا بلدهم [فرنسا] ورموها بـ[la P] فيما كتّابٌ مغاربة لم يفْعلوا ذلك؛ لكنّ [فرنسا] تخْفي عَوْرتَها المكشوفة بالكذب عن أسيادها..
في (19 يونيو 1940)، وقّعتْ [فرنسا] الذّليلة على استسلامها في غابة (كومْبيان) في عربة القطار رقم (2019)، بحضور [هتلر]، ونال (شرف) التوقيع على مذلّة [فرنسا] الجينرال (هونْزِغير)؛ وقائد سلاح الجوّ المهزوم الجنيرال (بيرجُريه)؛ ووُضِعتْ سفينةُ (ماسِيلية) تحت تصرّف فئران فرنسية من نواب، ومستشارين، للفرار إلى [المغرب] الذي ادّعوا بالأمس أنه أصبح بلد (الأنارشيه)، والآن صار بلد الأمن والأمان؛ ياه! في نفس اليوم، أي (19 يونيو 1940) أعطت [اليابان] للجنيرال الفرنسي [كاتْرو] حاكمِ [الهند الصينية] أمرًا صارمًا بأن يسلّمَ القيادةَ فورًا لليابانيين، وإلاّ ستُقْطَعُ رأسُه بطريقة (السّاموراي)؛ ففَعل.. في (03 غشت 1940) حكمت محكمة [بيتان] غيابيًا على (ديغول) بالإعدام.. في (24 يونيو 1940) طلبتْ [إيطاليا] من [فرنسا] جعْل الحدود مع [إيطاليا] خاليةً من أيّ وجود عسكري فرنسي في (الألب، وتونس، والجزائر، والصّومال)؛ هذه [فرنسا] التي كانت قد سلّمتْ أراضي عربية وإفريقية كرشوة لإيطاليا؛ (تحيا فرنسا!).. لكنْ ما هي الأحداثُ المرافقةُ للمذلّة الفرنسية المدوّية؟ دخول [فرانكو] ظافرًا إلى (مدريد)؛ توقيعُ معاهدة عدم الاعتداء بيْن (ألمانيا) النازية، و(روسيا) الشيوعية؛ وصول (روزڤلت) إلى ولاية ثالثة في (أمريكا)؛ ثم اكتساح [بولونيا، والدانمارك، والنرويج، وبلجيكا، وهولاندا، وفرنسا) وفرار الجيوش عبْر [دانِكيرْك] في مذلّة لا تُنسى في التاريخ، ومصافحة [بيتان] لسيّده الجديد [هتلر]، وقصْف [بريطانيا] للأسطول الفرنسي الراسي في الجزائر بقيادة الأميرال [دارلان] الذي اغتيل في ما بعد، وبدأت [فرنسا] تستعطف المغاربةَ الأشاوس للدفاع عنها، وقد انهارت إمبراطوريتُها؛ [المغرب] الذي وصفتْه بالعاهرة: تحيا فرنسا!