اختار سليمان الريسوني، مرة أخرى، سلاح الجهل والجهالة في دفاعه عن المتهم عبد العالي حامي الدين المحال على غرفة الجنايات بفاس من أجل المساهمة في جناية القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد، فصدق فيه قول الشاعر عمرو بن كلثوم ” ألا لا يجهلن أحد علينا…فنجهل فوق جهل الجاهلينا”.
ولعلّ من مثالب الرجل أنه يحشر نفسه في السياسة والقانون، ويترنح بين اليسار الأممي الجدري والإسلام السياسي، فتراه يتكلم ثارة لغة الترودسكيين، وتارة أخرى يردد خطاب الأصوليين.
وفي ظل هذه الشطحات غير المتجانسة، التي تفرضها “برغماتية” المرحلة على الزميل سليمان الريسوني، صار يُقحم توفيق بوعشرين في كل قضية جنائية بمناسبة أو بدونها، وبات يتهم النيابة العامة بعلّة أو بدون سبب، وأضحى يُفتي في القانون بجهل وبدون يقين، فكانت النتيجة هي نشر مخطوطات وأشباه افتتاحيات “تشابه فيها البقر علينا”.
ومن حسنات الرأي العام المغربي، ومساوئ الريسوني، أنه أعاد نشر فقرات من بلاغ الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، دون ذكر مصدرها، وهي انتكاسة وزلّة غير مبررة في مجال الكتابة الصحفية والروائية أيضا، لأنها سرقة أدبية، كما أنه نشر تلك الفقرات بأخطائها القانونية الفجّة.
فالريسوني أعاد أخطاء بلاغ الأمانة العامة لحزب المصباح، مكررا أن قاضي التحقيق أمر “بعدم فتح تحقيق”، والحال أن الأوامر القضائية بشأن انتهاء التحقيق تتحدث عن عدم المتابعة أو المتابعة مع الإحالة أو عدم الاختصاص، ولا تتضمن أية إشارة تصريحا ولا تلميحا إلى عبارة ” عدم فتح تحقيق”.
والريسوني اجتر، مرة أخرى، نفس الهفوات التي سقط فيها البلاغ عندما تحدث عن قرار الحفظ الصادر عن النيابة العامة كقرينة تسوغ عدم المتابعة من جديد، بيد أن القانون صريح في هذا الباب، ويعتبر أن الحفظ هو قرار غير قطعي وغير مستدام في الزمن، يمكن التراجع عنه في أي وقت (المادتان 40 و49 من قانون المسطرة الجنائية).
وعلاوة على “الأخطاء المرتكبة بالإحالة” على بلاغ حزب العدالة والتنمية، اختار سليمان الريسوني أن يسجل أخطاءً أخرى باسمه، ما دام أن لا أحد يجهل علينا في مستوى جهله، فقال أن الفقرة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية تحظر محاكمة عبد العالي حامين الدين مرة أخرى، ناسيا عن جهل أو متناسيا عن عمد بأن الفقرة الأخيرة من نفس المادة تحيل على القانون الداخلي لكل بلد في معرض تطبيق هذا المقتضى!
والتشريع المغربي، باعتباره من التشريعات التي تحيل عليها هذه المادة، يحصر في المادة 369 من قانون المسطرة الجنائية إمكانية الاستفادة من سبقية البت في الأشخاص الذين قضت العدالة ببراءتهم أو إعفائهم، لكنها لم تتحدث عن الأشخاص المدانين والمحكوم عليهم مثلما هو الحال بالنسبة للمتهم عبد العالي حامي الدين. أكثر من ذلك، فإن المادة 228 من قانون المسطرة الجنائية المغربي تنص على إمكانية متابعة الشخص الذي صدر في حقه قرار عدم المتابعة إذا ظهرت أدلة جديدة. وشهادة الشاهد، التي لم ترق لسليمان الريسوني في مقاله، هي من الموجبات القانونية لإعادة المحاكمة تطبيقا للمادة 229 من قانون المسطرة الجنائية.
ولم يقف منسوب الأخطاء عند هذا الحد، بل ادعى الريسوني أن محاكمة عبد العالي حامي الدين ستسيء لصورة النيابة العامة، والحال أن قرار المتابعة مع الإحالة على غرفة الجنايات هو قرار صادر عن قاضي التحقيق، وهي سلطة قضائية مستقلة عن النيابة العامة، ولا يتقاطعان إلا في الإجراءات القضائية! فلماذا ستتأثر صورة النيابة العامة إذن؟
أكثر من ذلك، حرّف وزوّر سليمان الريسوني متابعة عبد العالي حامي الدين، ومرد ذلك ترجيحا إلى جهل مطبق في القانون وليس إلى عمد وإصرار مسبق، وذلك عندما قال بأن هذا الأخير متابع “بالمشاركة في القتل العمد”، والحال أنه متابع من أجل “المساهمة في القتل العمد”، والفرق بين المشاركة والمساهمة في القانون شاسع بحجم الهوة بين الجهل والنور، وبين العلم والتخلف. فالمساهم هو فاعل أصلي متى تعدد الجناة، ويكون مرتكبا لفعل من أفعال التنفيذ المادي للجريمة، أما المشارك فهو الذي لم يساهم مباشرة في تنفيذ الفعل الإجرامي، ولكنه ارتكب فعلا من الأفعال المذكورة في المادة 129 من القانون الجنائي.
ولعل الطريف في المحاججة القانونية للزميل سليمان الريسوني أنه قال ” لا تجوز شهادة متهم على متهم”، في محاولة لدحض وتفنيد شهادة الشاهد في قضية عبد العالي حامي الدين، لكنه لم يحدد ما إذا كان هذا القول هو قاعدة قانونية أم اجتهاد قضائي أم ماذا؟ وهنا نقول لسليمان “القانوني”، عفوا “الريسوني”، لقد استقر الاجتهاد القضائي المغربي على أنه ” لا تقبل شهادة متهم على متهم إلا إذا اقتنعت بها المحكمة”. فهي عبارة عن اجتهاد مقيد بالسلطة التقديرية للمحكمة، ولا يخضع لأهواء الأصدقاء ولا لإملاءات الإخوان والأخوات في الحزب والمنتدى.