خلد العالم الإثنين اليوم العالمي لحقوق الإنسان، وهي مناسبة تصادف الذكرى السبعين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان. كان هذا الإعلان رافعة للنضال الحقوقي في أحيان كثيرة كما كان أداة بيد الدول الكبرى للسيطرة على الدول الصغيرة أو الضعيفة، وتم استغلاله لاحتلال وتدمير دول وشعوب. تخليد هذه الذكرى معادلة صعبة معاملاتها بحجم الاستثمار الإيديولوجي لحقوق الإنسان. وكان الرهان على ما يسمى الحقوق الكونية للإنسان، فتم استعمال بعض الحقوق الفردية كقنطرة لانتهاك حقوق الشعب الاقتصادية والاجتماعية والأمنية.
فالحديث عن كونية حقوق الإنسان حديث مغلوط للغاية، لأن الكونية هنا تعني الرؤية الغربية للعالم والكون والوجود والمصير، وياليتها وقفت عند هذا الحد، بل إن الدول الغربية تعتبر باقي دول العالم متخلفة وبالتالي ينبغي تأهيلها نحو الديمقراطية وحقوق الإنسان. وهي ما أسميناه إديولوجيا حقوق الإنسان قصد السيطرة على مقدرات وخيرات البلدان. الحقوق الكونية تجد معناها في عدم انتهاك الخصوصية، باعتبارها هي التجلي المجلي للعالمية وإلا سنكون أمام تنميط للأقوام والأجناس، وهو النقيض للتعددية التي هي أساس حقوق الإنسان.
المغرب مثله مثل كثير من البلدان، التي كانت تعيش مصيرا بطريقين مختلفين، الأول يتعلق بمدى احترام حقوق الإنسان، وفق المرجعيات الدولية، وهي ما تمت معالجته من خلال هيئة جبر الضرر والتحكيم ثم هيئة الإنصاف والمصالحة والمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان وأخيرا المجلس الوطني لحقوق الإنسان كمؤسسة دستورية. تم الاعتراف بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وتم تعويض الضحايا وطي صفحة الماضي، الذي كان فيه الصراع على السلطة، والاهتمام ببناء المستقبل، الذي لن يكون إلا بمشاركة الجميع. والثاني يتعلق بمقاومة ضرب الخصوصيات بدعوى الكونية، ولم يكن المغرب بدعا من الدول، ولكن الدولة تعلن دائما أنها ليس لديها مشكلة في منح أي حق لما يتحول إلى مطلب اجتماعي وليس مطلب بضعة أشخاص يصدم هوية مجتمع بأكمله.
لا يمكن القول إن المغرب جنة لحقوق الإنسان، ولكن ليس كما يروج له البعض بأنه منطقة رمادية. لقد حقق المغرب الكثير من الحقوق وما زالت أمامه أهداف أخرى لتحقيقها. قد نفتخر بأننا حققنا كثيرا في طريق الحقوق السياسية، من خلال دستور 2011، الذي أقر مساواة الجميع في الحق السياسي، ومنح الشعب حق اختيار الحزب الذي يقود الحكومة وحق معاقبته إن لم يلتزم ببرنامجه. لن نتحدث هنا عن الفاعلية في الواقع لأن هذا رهين بمدى صدقية الأحزاب وقدرتها على خدمة الصالح العام.
ونعتقد أنه ما زال أمام المغرب الكثير لتحقيق الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطن، وهي رهينة طبعا بتحقيق العدالة الاجتماعية والعدالة المجالية، وقد انتفض جلالة الملك محمد السادس في أكثر من خطاب، ضد الفوارق الكبيرة سواء بين المواطنين أو بين الجهات، وفي هذا السياق يأتي تجديد النموذج التنموي لأنه وحده قادر على تحقيق النتائج المرجوة ضمن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية.