محمد بوداري
تتغذى الإشاعة من التعتيم وحجب الحقيقة، بحيث يتجه المواطن لإرواء عطشه المعرفي، إلى التخمين واختلاق السيناريوهات المحتملة في محاولة منه لطمأنة تلك الغريزة، التي لا يمكن بحال من الأحوال كبحها والتي تتمثل في "فضول المعرفة".
وتعود مسألة الإشاعة من جديد لتشكل موضوعا راهنا في الصحافة المغربية، وذلك بمناسبة المشاورات الهادفة إلى تكوين الحكومة الجديدة برئاسة عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة المعين وأمين عام حزب العدالة والتنمية.
وقد بادرت الصحافة، في محاولة منها لاستجلاء مناطق الظل في الموضوع، إلى اعتماد طرق مختلفة للوصول إلى المعلومة، وهي سبل لا يمكن الركون إلى موضوعيتها ولا يمكن أن تكون كلها مصدرا وثوقيا للخبر، إلا أن أسباب ذلك لا ترجع إلى الصحافي ولا يمكن أن تقلل من قدراته ومهنيته، وإنما مرد ذلك إلى سلوك النخبة السياسية والفاعلين السياسيين في بلادنا.
وقد نشرت صحافة حزب الاستقلال، أحد الأحزاب المعنية بالمشاورات الحكومية الجارية، مقالة ترد فيها على هذه الأخبار التي تناولتها الصحافة، معتبرة ذلك "رزمة من الأخبار التي تفتقد للدقة والموضوعية"، وهي إشاعات "تروم التشويش على مسار تشكيل الحكومة المرتقبة" تقول جريدة العلم، لسان حال حزب عباس الفاسي.
إن الأسلوب الذي كتب به المقال ينمّ عن ضيق في الخاطر وعن رغبة في "حجب الشمس بالغربال"، كما نقول في المغرب. فلا يمكن بحال من الأحوال أن تنكر الجريدة ما قاله امحمد الخليفة حول رغبة الحزب في أن يكون عدد وحجم الحقائب في مستوى تاريخ وحجم وعدد نواب الاستقلال. كما أن خبر عقد لقاء استثنائي للجنة التنفيذية للحزب يوم الأحد وما تم تداوله فيه لا يمكن إنكاره..
إن كانت هناك إشاعة فالمسؤول عنها هي الأحزاب التي تشارك في المشاورات الحكومية الجارية، إذ أن المعلومة يجب أن لا تحجب عن الصحافي الذي يكمن دوره في تنوير الرأي العام وإيصال الأخبار إلى المواطن الذي تعتبر المعلومة حقا من حقوقه الأساسية، ولأن الحكومة شأن يهم المغاربة أجمعين فإن من حق المواطن على هذه الأحزاب أن تنوّر الصحافة وتمدها بالمعلومة، حتى لا "تشوش على مسار تشكيل الحكومة المقبلة" كما يظن حزب الاستقلال، لأن مشاورات تشكيل الحكومة ليست ملفا نوويّا يجب التعتيم عليه وتغليفه بسرية كاملة.
وإذا كانت صحافة العدالة والتنمية وحزب الاستقلال لا تستطيع الوصول إلى المعلومة وهي القريبة من مطبخ الحكومة، فما بالك بالصحافة البعيدة عنها والتي تحاول جهد الإمكان والمستطاع إعمال الإجهاد، فإن هي اجتهدت وأخطأت فلها أجر واحد وإن أصابت فلها أجران، كما يقول أئمة المسلمين.