لسبب لا أعلمه، أجدني في حكاية حامي الدين مع آيت الجيد، أقرب إلى التضامن مع بنعيسى رحمه الله.
كان طالبا فقيرا قادما من هامش الهامش لأجل الدراسة في فاس، ولم يكن يعرف أنه سيموت مقتولا...
هو ليس لديه رئيس حكومة سابق يقول للقضاء "لن نسلمكم أخانا"، وليس لديه وزير في حقوق الإنسان يتضامن معه ويقول له "في السراء والضراء"، وليس لديه رئيس فريق نيابي يعلن عبر التلفزيون الإدانة ولا ينتظر قرار القضاء ، وليست لديه أمانة عامة لحزبه ترتدي لبوس المحكمة العليا وتقول لنا بكل وضوح وصراحة "نحن نرفض قرار القاضي بخصوص الأخ الدكتور".
هو فقير من فقراء بلادنا، وماأكثرهم. وهو ميت أصلا. وعادة في هذا البلد السعيد لا يتضامن أحد مع الموتى، بل لايتذكرهم الأحياء لأن الحاجة إليهم غير قائمة. وهم لن يفيدوا أحدا ولن يضروا أحدا أيضا، لذلك يعتبر الكثيرون ألا حاجة حتى للتوقف عند صورهم ولا التأمل في البرواز الذي يحمل ملامحهم حتى قليلا..
التضامن مع الأحياء الأقوياء يكون مدرا للربح أكثر. والتضامن مع هؤلاء الذين يتحدثون كثيرا بطعم النضال واقعيا و افتراضيا يكون أمرا سهلا وسارا للغاية.
أنا لا أعرف إن كان حامي الدين قد قتل عمدا آيت الجيد.
ولاأعرف أيضا إن كان حامي الدين قد قتل سهوا آيت الجيد.
بل إنني لا أعرف في المرة الثالثة أصلا إن كان حامي الدين قد قتل فعلا آيت الجيد.
أعرف بالمقابل أنهما تشاجرا، أو لنقل إن آيت الجيد كان لوحده ووقع في كمين نصبه له مجموعة من الإخوان كان ضمنهم الأخ الدكتور. وأعرف أنني كنت أدرس في جامعة مكناس في نفس تلك اللحظات، غير بعيد عن جامعة فاس إلا بكيلومترات ستين لم تكن تمنعنا يوميا من التعرف على مايجري في العاصمة العلمية، وبالتحديد في قلعة النضال التي كانتها جامعة فاس. وأعرف أنني رأيت عصابات تدخل الحرم الجامعي وتضرب طلبة وتجرح طلبة وتنكل بطالبات، وأعرف أنني سمعت في تلك السنوات البعيدة من التسعينيات أن "إخوانيين" هم الذين قتلوا آيت الجيد.
أعرف أن الحكاية وصلتنا مبهمة محملة بكثير التفاصيل المختلفة، من قبيل أن حجرا كبيرا كان هو صاحب الكلمة الفصل واللحظة الحاسمة في حياة آيت الجيد، وأن رجل أحد الإخوانيين ضغطت على الرأس بقوة وهربت..وأن الروح صعدت بعدها إلى خالقها تترجاه ألا ينساها أبدا وألا تضيع تلك الدماء...
لا أعرف إن كانت تلك الرجل تعود للدكتور عبد العالي حامي الدين، لا أعرف ولا أستطيع أن أحكم. لكنني أعرف بالمقابل إن كل درجات الدكتوراة، وكل مناصب السياسة وكل وجوه الترقية في الحياة لا يمكنها أن تَجُبَّ ماقبلها خصوصا حي يكون هذا الذي قبلها قتلا، انتشالا للروح، نيابة غير مقبولة عن الله سبحانه وتعالى الذي يمتلك لوحده حق مدنا بالروح وحق نزعها منا متى أتى أجلها..
لا أعرف كثير الأمور وأفضل حين الالتباسات انتظار انبلاج الحقيقة، لكن في هذا الموضوع بالتحديد أجدني ملزما بالتضامن مع آيت الجيد رحمه الله، سواء كان حامي هو الذي قتله أم كان آخرون.
لماذا؟
لأنه الوحيد الذي ضاع في نهاية المطاف وذهب لحال سبيله. البقية لازالت هنا تجد من يدافع عنها ومن يقول لنا جميعا "لن نسلمكم أخانا".
أعرف أيضا أن أصغر بديهية في دولة تتوفر على قانون هي أن نحترم هذا القانون، وألا نعتبره أمرا سيئا حين يكون ضدنا، وأن نطبل له ونعتبره أفضل ما في الكون حين ينتصر لنا..
هذا الأمر يسمى النفاق، وهو وأهله في الدرك الأسفل من النار مثلما علمنا قرآننا. وهذا الأمر يسمى عدم الإيمان بمنطق الدولة إلا عندما يكون هذا المنطق مسايرا لأهوائنا.
وعندما نقوم بهذا الأمر، ونحن وزراء أو ونحن هيئة حزبية أو ونحن مسؤولون يشار إلينا بالبنان وبكل الأصابع والفواكه الأخرى، فإننا لا نترك للمواطن البسيط من باب آخر موارب إلا باب الكفر بهذا القانون الذي لا يؤمن به الأقوياء ويعتبرون تطبيقه حكراعلى الضعفاء، بل ويصدرون البلاغات نصرة لبعضهم البعض في الوقت الذي يصمتون تماما عن الظلم الصغير الذي يتعرض له الأفراد والآحاد، أولئك الذين لا قبائل سياسية تنصفهم، ولا عشائر دينية أو حركية تساندهم، ولا أحد يقول لهم حين وقوعهم بين أيدي القانون "لن نسلمكم أخانا".
هذا الأمر غير طيب كثيرا، وفيه رائحة شيئ ما غير سوي، وفيه علامة تأكيد لكثير الكلام الذي يقال مرة بعد الأخرى ثم ننساه ونحاول أن نقول إن العقول تتغير وأن الأفكار تنضج، وأننا لم نعد نحتاج تقية بيننا ولا تمثيلا على بعضنا البعض لأننا اقتنعنا بهذا المشروع المجتمعي المغربي ونريد بناءه، وأن الوطن أهم من الجماعة ومن الانتصار الصغير مرة لطارق رمضان ومرة للآخر واليوم لهذا، ومن بقية الترهات…فقط لأن هاته الترهات تنتمي إلينا تنظيميا وتعنينا حركيا والتسليم فيها يعني أننا بعد كل هذا العمر الحكومي المديد نخون الملح والطعام والقسم والعهد وبقية المشتركات.
فجأة نجد أنفسنا نسأل أنفسنا إن كنا جميعا نؤمن بنفس المبادئ التي يقف عليها البلد، وإن كنا فعلا متفقين أم أننا نمثل فقط دور المتفقين مع علمنا الأكيد أننا نكذب على بعضنا البعض..
هذا كل ما أعرفه إلى حدود الآن، ورحم الله آيت الجيد بدءا وختما وفي منتصف كل الأشياء، ورحم معه المنطق والعقل السليمان السويان القادران فقط على البداهة واستيعابها..لا أقل ولا أكثر..
المختار لغزيوي