عبد الهادي العلمي
أطل من نافذتي هذا الأسبوع على مغرب اليوم وهو يحصد أولى النتائج الطيبة لطريقة تعامله العقلاني مع رياح الربيع العربي، على اعتبار أنه البلد الوحيد الذي خرج من بين البلدان العربية وهو مطمئن، مستقر ورابح لرهان التحديات التي رفعت في وجهه- ملكا وشعبا.
لقد أبان المغاربة عن اعتزازهم الكبير بحكمهم وتشبثهم بالمكاسب الديمقراطية التي يعد أمن واستقرار البلد من أهم مرتكزاتها، حيث تمكن من تحويل غضب بعض شبابه إلى مواجهة عقلانية كانت وراء ربحه لرهان ديمقراطيته. فكيف تمكن من تحقيق ذلك في حيز زمني قصير جدا؟
إن البحث عن جواب لهذا السؤال يكمن في الوعي الفطري للمغاربة، ويقظتهم. فرغم اختلاف مرجعياتهم وقناعاتهم ومستوياتهم الفكرية إلا أنهم مؤمنون وعلى يقين بأن النظام الملكي هو العروة الوثقى التي تجمعهم، وهم واعون أيضا أن حصولهم على الاستقلال لا يتعدى خمسة وخمسين سنة وهي مدة غير كافية لبلوغ جميع الأماني والحقوق... يكفينا أن نلقي نظرة على دول الجوار من الاتحاد الأوربي التي قضت قرونا قبل أن تبلغ ما وصلت إليه اليوم من حضارة وتقدم، ضف إلى ذلك أنهم على دراية بإمكانيات الوطن الاقتصادية والاجتماعية التي يعلم الجميع مدى محدوديتها وانعدامها في بعض الأحيان.
الأكيد، إذن، هو أن رغبة المغاربة في استقرار البلد هي السبب الحقيقي وراء نجاح الثورة المغربية الهادئة، وهي التي سمحت أيضا ببلورة المرحلة الراهنة وبفوز حزب العدالة والتنمية ذي التوجه الإسلامي برئاسة الحكومة بعدما كان يعتقد الجميع أن هذا المنصب محظور عليه وأن مشاركته في المحطة الانتخابية سيتم تحجيمها.
إن الاستقرار الذي اختاره المغاربة نابع من شعورهم العميق أنهم سينالون حقوقهم وينعمون بخيرات بلادهم ويستطيعون التعبير عن أنفسهم ويؤثرون في قرارات حكوماتهم بوسائل محددة ومتفق عليها وهم آمنون، يعيشون حياتهم وفق تعاليم دينهم التي يؤمنون بها ويستمدون منها كل مقومات وجودهم المعنوي وكيانهم الحضاري وطموحهم الأخروي.
كما أن الأمل في المستقبل بما يقتضيه من مستلزمات مقوم من أهم مقومات الاستقرار، لذلك فنجاح هذه التجربة الديمقراطية الفتية التي دشنها المغرب بخطاب 9 مارس، مرورا بالمصادقة على الدستور الجديد بأغلبية مهمة، وختمها بانتخابات 25 نونبر التي أجمع الكل على نزاهتها، هي لا محالة نجاح للمسار السياسي المغربي الذي كان ومازال يتعامل مع كل الظروف والإكراهات بعقلانية ورزانة وحكمة.
ومهما ضلت النخب طريقها وتعمدت الضبابية بتغليب مصالحها الخاصة على المصلحة العامة، فالمغاربة قادرون على تمييز الكفة التي تحفظ مصالحهم ومستقبلهم كشعب مسلم عربي له هويته، لا يريد أن يكون غربيا ولا أمريكيا ولا أسيويا... مع تقديري لهؤلاء جميعا.
ولمن لا يصدق فليرحل عن المغرب ولو لمدة شهر، أكيد إنه لن يحتمل بعده عنه بل سيشعر بغربة شبيهة بغربة القبر.