لـمّا نزلتْ قواتٌ فرنسية وإسبانية إلى الشواطئ المغربية، قالت (فرنسا) إنّ ذلك كان انسجاما مع روح (ندوة الجزيرة الخضراء) التي تعطي (فرنسا) الحقَّ في التدخّل للحفاظ على الأمن، والاستقرار؛ لكنّ التدخل الفرنسي يوم (06 غشت 1907)، وقَصْف مدينة (الدار البيضاء)، ونزول جيوش فرنسية وإسبانية إلى الشواطئ المغربية، كان فصلا من مسرحية (الجزيرة الخضراء) المفضوحة، ثم السؤال هو: على أي أساس تتدخّل (فرنسا وإسبانيا) في (المغرب) لو لم تكنْ هناك نيةٌ مبيَّتة لاحتلال هذا البلد، وتمزيقه إلى أشلاء بينهما؟ فكلّ المؤشرات كانت تدلّ على ذلك، وكل المبرّرات كانت ترمز إلى ذلك، إلاّ من كان يريد أن يرى بعينين مغمضتيْن.. في (05 دجنبر 1907)، أعلنتْ [بلجيكا] ضمَّها لدولة [الكونغو]، واعتبرتْه جزءًا من دولة [بلجيكا] رسميا، وليس هناك دولة داخل دولة كما يقال، وإنما هناك دولة واحدة لا غيْر، ممّا يبيّن أنّ شهية الأوربّيين للاستعمار قد فُتِحتْ، وأن قارةً بأكملها سيتمّ تقسيمها، ولكن أين هي حصة (ألمانيا) من هذه الكعكة الكبيرة؟ كان هذا هو السؤال الذي غفل عنه المستعمرون..
في يوم (21 غشت 1908)، طلعتْ جريدةُ [الفيغارو] على صفحتها: [La vie dans le monde] بأربعة إخباريات ملفتة للانتباه، وهذه عناوينها بالأحرف الأولى: (1 النامسا تضمُّ إليها البوسنة والهرسك.. (2 بلغاريا تصبح مملكةً مستقلّةً عن الأتراك بقيادة مَلكها (فيردينان).. (3 اغتيال مَلِك البرتغال، ووريث عرشه.. (4 مولاي حفيظ يُعلَن سلطانًا للمغرب: وبخصوص هذا الخبر، قالت القصاصة: [بعد حرب داخلية، تغلّبَ (مولاي حفيظ) على منافسه (عبد العزيز)، وأُعلِنَ رسميًا سلطانا، وسط احتفالات شعبية، و(فرنسا) و(إسبانيا) تساندان سلطانًا قويّا، عساه يساهم في احترام بنود ندوة (الجزيرة الخضراء)، ويدلّل على تعاونه الصريح واللامشروط لإحلال الأمن، والاستقرار في المغرب].. من خلال هذه الإخباريات، وقراءتها بعقلانية، تدرك أن الملكيات كانت مستهدفة، وأنّ خريطة جديدة كان يتم إعدادها، وأن دولاً سيتمّ تقسيمها بين المستعمرين..
ففي (27 أبريل 1909)، تمّتْ إزاحةُ السلطان [عبد الحميد] عن العرش في [تركيا]، وحلّ مكانه أخوه [رَشاد]، تحت اسم [السلطان محمد الخامس].. وقيل إنّ الإطاحة بالسلطان [عبد الحميد]، هي إطاحةٌ بنظام متسلّط، يقوم على التجسس، والوشاية، وأنّ [تركيا] دخلتْ عهدًا جديدا، وهكذا كانوا يبرّرون الإطاحةَ بالملكيات في الأعراف الاستعمارية التي كانت تتحكّم فيها أيادٍ خفية لمنظمات هدْم العروش، والملكيةُ في المغرب، لم تكنْ تمثّل استثناءً، بل كانت مستهدفة في خضمّ هذه الأحداث.. وبخصوص (المغرب)، قالت (فرنسا): [لقد أصبح لهذا البلد سلطانٌ قويٌّ، مما سيمكّنه من إدارة شؤونه الداخلية بنفسه، مع الحفاظ على أمنه من دون أي تدخُّل خارجي]؛ وهذا كان مجرّد كَذبٍ، ونفاق، عُرفت بهما (فرنسا) تاريخيا؛ فخلال عهودها الملكية اعتمدتْ في نفاقها على الدين خلال الحروب الصّليبية؛ وبعد (الثورة) اعتمدتْ مبادئ ثورة ساهم فيها اليهود، فصارت (فرنسا) أستاذةً في الكذب، والتضليل، ومتى احترمتْ (فرنسا) وعدًا، وعدتْ به؛ أو عهدًا التزمتْ به، عبْر التاريخ؛ وما زالت (فرنسا) منافقة إلى يومنا هذا؛ فالرئيس [ماكرون] في خطاباته الأدبية يناقض سياستَه الفعلية، وصَدق من قال: [إنّ أعْذبَ الشّعر، أكْذَبُه] ونحن نعرف أنّ (روتشيلد) كانت وراء وصوله إلى (الإليزيه) في وقت وجيز، ورغم صِغَر سنّه..
في (أكتوبر 1908) أطاحَ انقلابٌ عسكري بالملكية في (البرتغال)، وفرّت الأسرةُ المالكةُ إلى (جبل طارق)، وتخوّفت (إسبانيا) من تأثير ذلك على الملكية في (إسبانيا)، وصار مناصرو الملكية يبحثون عمّا يوحّدهم، ويتركون ما يفرّقهم، وهم يتذكّرون محاولةَ الاغتيال التي تعرّض لها الملكُ في شهر (يونيو) من سنة (1906) فيما اغتيلَ ملِكُ (البرتغال) [كارلوس الأوّل]، وابنُه في (02 فبراير 1908).. فمن سنة (1900) إلى سنة (1910)، اغتيلَ الملوك الآتيةُ أسماؤُهم، وهذا هو [le bilan] كما يقال بالفرنسية: [اغتيلَ ملكُ إيطاليا في (مونْزا) في يوليوز (1900)؛ اغتيل الملكُ (أليكساندر الأوّل) ملكُ (صربيا) في يوليوز سنة (1903)؛ اغتيلَ الملكُ (كارلوس الأول) في فبراير (1908)؛ أطيحَ بالسلطان (عبد الحميد) في (تركيا) في شهر (أبريل 1909)؛ أطيح بالملك (مانويل) ملكُ (البرتغال) في (أكتوبر من سنة 1910)؛ فكيف لا يكون والحالة هذه، القرن العشرون، قرْنَ الإطاحة بالملكيات عبْر العالم بأسْره؛ وكيف لا تكون هناك قوّةٌ خفية وراء هذه الاغتيالات، وكيف نشكّ في تواجُد منظّمات (هدْم العروش) وكيف لا يكون هذا القرن أغْرب القرون؟