قد يتساءل القارئُ الكريم قائلا: [ما دَخْلُ هذه الأحداث بأحوال المغرب آنذاك؟]؛ وجوابي هو إعطاء القارئ صورةً شاملةً، لعالم مضطرب من شرقه إلى غربه، وهو ما أثّر في استعمار بلادنا من طرف المستعمرين، ومؤامراتهم السرية على الملكيات العريقة، وملكيتُنا لم تكن استثناءً في مخططاتهم، وقد نجح المغاربةُ في إنقاذ ملَكيتهم، وكان لهم في ذلك ذكاءٌ لا يُنْكَر، عكْس مَلكيات أخرى انهارت كجبل ثلجي تحت قيضٍ حارق.. لقد كان من المفروض أن تخصِّص وسائِلُ الإعلام، طيلة شهر (نونبر)، شرائطَ وثائقية، وتستدعي في لقاءات تلفزية مؤرّخين، وكتّابًا، ومقاومين، ليشرحوا للأجيال كيف استُعْمِر بلدهم، وكيف نال استقلاله في قرن مضطرب، وما هي الأحداثُ التي صاحبت تاريخَ بلادنا، وما هي المؤامرات التي حيكت ضدّ ملَكيتِنا؛ وهذا ما تفعله كافة الدول في شهور احتفالها بأعياد استقلالها؛ ولكنّ تلفزةَ بلادنا، هي بيد موظّفين، لا خبراء في الإعلام، ونحن بهذه المقالات، نحاول قدر الإمكان، مَلْءَ هذا الفراغ؛ فهل وُفِّقْنا أم لا؟ لست أدري!
في (08 أبريل 1906) عُقِدَت ندوةٌ دوليةٌ لدراسة ومناقشة الوضعية المغربية كما أسموها في أعرافهمُ الاستعمارية؛ ففرنسا كانت صليبية في عهد الملوك [الويس]؛ ولكنْ بعد (الثورة الفرنسية)، صارت فرنسا إمبريالية على يد [نابليون]، وجُمْجُمته لها تمثال بباب قصر (الإليزي)، قد أراها [ماكرون] للرئيس [ترامب] خلال زيارته الأولى لفرنسا سنة (2017) للاحتفاء بذكرى مشاركة الأمريكان في الحرب العالمية الأولى.. وهنا أريد أن أفتح قوسيْن قبل مواصلة الحديث: إنّ الذي مهّد الطريقَ للاستعمار البريطاني هو المستكشف [ليڤينستون]، وهو مكتشف بحيرات منابع (النيل)، وأعطاها اسم [بحيرات ڤيكتوريا] تَيمُّنًا بالملكة الشهيرة [ڤيكتوريا]، ملكة (بريطانيا)، التي ماتت سنة (1901)، وهي محاطة بأبنائها وأحفادها، وليس هناك ملَكية في (أوربّا) ليس بها أحفادُ هذه الملكة الشهيرة؛ فخلَفها الملك [إدوارد السابع]؛ لكنّ الذي نفّذ مخططات الاستعمار البريطاني في (إفريقيا) من (القاهرة) إلى (رأس الرجاء الصالح) إنما هو المدعو [سِيسيل روهديس]؛ وُلد سنة (1853)، ومات سنة (1902)، وهو منشِئ دولة [روديسيا] (زيمبابوي) اليوم؛ كان غنيًا، ورجل أعمال، وأصبح وزير المستعمرات البريطانية.. أما (فرنسا)، فصاحب شرعنة الاستعمار، إنما هو المفكّر، والمحامي، والوزير، والبرلماني سابقًا المدعو [جول فيرّي: 1832 ــ 1893]، الذي قال بحق (فرنسا) في استعمار الشعوب بدعوى إخراجها من الأمّية، والتخلّف؛ والواقع يدلّل على أن (فرنسا) هي من كرّست التخلف؛ (فرنسا) كانت هي السباقة إلى العنصرية، ومنها تعلّم الألمان وكان فيلسوف عنصرية (فرنسا) إنّما هو [جوزيف أرتوردي غوبّينو: 1816 ــ 1882] وهو الذي أثّر في منظّري العنصرية الجرمانية الألمانية.. كان هناك في (فرنسا) رسمٌ كاريكاتوري بشِعٌ للصهيوني [روتشيلد]، تنشرها كل مرة الصحافةُ، يبدو فيها (روتشليد) وهو يَقِيءُ الفرنكات؛ لكن عندما هيمنتْ منظّمتُه على اقتصاد فرنسا وإعلامها، وتحكّمتْ في السياسة المالية، مُنِع نشرُ هذا الكاريكاتور المقزِّز، والذي كان من إنجاز رسّام الكاريكاتور [ليون روز]..
عُقِدتْ سنة [1906] ندوةٌ في الجزيرة (الخضراء)، وهو ميناء أندلسيٌ يقرب من (جبل طارق)، وامتدّتْ هذه الندوةُ غير البريئة من (16 يناير إلى 07 أبريل) وكانت أطول ندوة عرفها التاريخُ، اتُّفِقَ فيها على تدويل الاقتصاد في المغرب، مع الاعتراف لفرنسا وإسبانيا بالامتياز في التفرد في الحفاظ على السلام، والتهدئة، والمصالحة في المغرب، وتم الأخذ برأي (ألمانيا) التي لم يكن بجانبها غير [النامسا]، فيما [فرنسا] كان إلى جانبها كلٌّ من [بريطانيا]، و[إيطاليا]، فأخِذَ بكل ما فرضته، وقيل إنّ المسألةَ المغربية قد انتهت إلى حلّ بفضل حكمة، وحنكة [فرنسا]، فيما يرى المؤرّخون أن القضية المغربية كانت قد بدأت، ولم تعرف أيَّ حلّ كما يدّعي المتآمرون على البلاد..
في (29 يوليوز 1907) أطلقتْ (فرنسا) في شوارع (الدار البيضاء) أَوباشَها سرّا، ليثيروا الرعبَ، والخوف، حتى يكون لها المبرّر للتدخل بدعوى الحفاظ على الأمن والاستقرار، وهو مبرّر معروف ومألوف عند المستعمرين للشعوب؛ فكنتَ ترى مجرمين مسلّحين، يهدّدون خاصة الفرنسيين، وهم مجرّد مرتزقة مأجورين؛ لكنْ أُلحِقتِ التهمةُ بالمسلمين، وقيل إن قبائلَ مسلمة تهدّد الفرنسيين، ومواطنين من بلدان صديقة، وأنّ الوضع الأمني يهدّد بالانفلات… قالت [فرنسا] عبر صحافتها العميلة: [إن سلطان المغرب، قد استدعى كافة القِوى لندوة الجزيرة (الخضراء)؛ ولكنْ إذا كان هدف السّلطان هو ملْء مقبراته بجثث الفرنسيين، فإنّ لفرنسا رأيا آخر].. وهل سلطان المغرب، هو الذي نظّم ندوة الجزيرة (الخضراء)؟ ما هذا الكذب والافتراء؟ وفي (06 غشت 1907) قُصِفَت مدينةُ (الدار البيضاء) من طرف بارجتيْن، فيما كانت فيالقُ عسكرية فرنسية وإسبانية تنزل إلى الشواطئ المغربية..