طه لمخير
إنهم يلعبون اللعبة القذرة لعبة الإسقاطات ونحت المصطلحات للظواهر في لمح البصر.. ما أسرعهم إلى الإرجاف…
في لمح البصر تصبح الهتافات السياسية في ملاعب كرة القدم "ثورة إلتراسية" عند الشيخ علي أنوزلا على موقع العربي الجديد، وحركة القمصان الخضراء على وزن السترات الصفراء عند باعة الدجل الديني في مواقع بوعشرين…
بل وفي مقدرة بعض "البوحاطيات" من "البرلمائيات" ذوات الوجهين المحسوبة"زعما" على الاشتراكي للقوات الشعبية لكن لا تجد غضاضةً ولا تنقصها "صنطيحةٌ"حتى تصف الإرهابي عبد السلام ياسين بالإمام المجدد!!—
في مقدرتهن أن يصغن نصا أدبياً مشحونا بالتباكي والعويل وأسلوب الباثوس المثير للغثيان الملون بالاستعارات والكنايات من عوالم السياسة ولغتها ومشاحناتها : ليصبح النادي حزبا ثوريا والأنصار أعضاء في ثورة متمخضة والملاعب برلمان شعبي للصراخ العدمي…
ألا يا سيدتي إن كنت صادقة فلتتخلي راغبة عن مرتب البرلمان السمين الذي يدفعه لك دافعو الضرائب في حين لا نرى أي مردودية وفاعلية على أرض الواقع، إلا ممارسات جبانة تتملص من المسؤولية الملقاة على العاتق بالانخراط في موجة انتقاد الواقع وكأن المتحدث ليس جزءا ممن صنعه تماما كما يفعل ابن كيران ببساطة ودون حرج!!
في لمح البصر..لدرجة أنه أضحى-ودون مبالغة- في إمكان هواة الإرجاف والمصابون ب"الثورة فيليا" و"الاستقرار فوبيا"أن يصوغوا لك مصطلحا ثوريا من خلال حديث ثلاث "طيّابات" في حمام شعبي حول خرقة بالية أو غاسول مغشوش.. أو وقفة احتجاجية عند بائع كاوكاو.. ويُنَظّروا لك في تاريخ الاحتجاج على غلاء أسعار الورق الذي تلف فيه حبوب الكاوكاو، وكيفية تعامل المخزن مع الحركة الكاوكاوية ومقاومة جمهور الكاوكاو للتسلط المخزني وتشجيع الدولة للزريعة البورجوازية على حساب الفول السوداني المظلوم..
نعم في مقدور بعض عتاة الشيطنة السياسية أن يقوموا بهذه الأدوار التي تجعل الأحداث والوقائع قابلة للاشتعال بحيث يمنحونها عمدا وعيا فوضويا وبعدا تخريبيا.. ببساطة لان فيها حياتهم ومعيشهم اليومي.. خبزهم وزيتونهم في سقط الزند المشتعل والبحث له عن القش والتبن حتى يستعر ويصير لهباً فحِمَماً فطوفاناً ينتشر في الهشيم ويحرق أخضر الأرض ويابسها…
بعضهم فقط يلعب ويتسلى بكل ما في الكلمة من معنى اللعب والتسلية المجانية.. رغم أنه إنما يلعب بالنار والأمن العام…بعض هؤلاء يظن أنه يمارس لونا من الترويع النفسي للدولة.. يشفي غليله في السلطة.. يجلدها بكرباج الفتنة!! وكأن الخراب إذا حل سيكون هو في مأمن عن عواقبه…فلينظروا سوريا ففيها الجواب الكافي والدواء الشافي.. وفيها عبرة الزمان ويقظة الوسنان..وغالبا تبقى الدولة طلعوا ولا نزلوا.
لكننا نسأل بعد أن بدأت الأمور تأخذ شكلا قبيحا وهيئة غير محبوبة ولا مريحة للناظر والمتابع- كغيرها من أحوالنا الاجتماعية التي تتركز حولها الأنظار وتحظى بالاهتمام العام داخل وخارج الوطن- من وراء هؤلاء يا وزارة الداخلية؟ من يصوغ لهم شعارات دينوسياسية في وسط رياضي المفترض فيه أن يكون مخصصا لهواة ومحبي كرة القدم؟
من يؤلف لهؤلاء شعارات رقص لها طرباً أشد المتحمسين إلى إقامة الدولة الإسلامية وقطع رؤوس المخالفين؟ ما سر هذا الانتشار الذي تلقاه فيديوهات مصورة بدقة وعناية لجماهير تعوي بهتافات هوليغانزية ملحنة بطريقة تثير الأحاسيس المرهفة وتؤدي الغرض منها في الاستثارة والتحشيد ضد الدولة، ويجد الإسلاميون في المشرق لذة ورضى في الترويج لها على أوسع نطاق في حساباتهم على وسائل التواصل مدبجة بتعليقات من قبيل : الثورة قادمة من بلاد المغرب!!حناجر الموحدين تزلزل أرض الطغاة؟
من يستغل ملاعبنا الرياضية لتهديد الأمن وزعزعة الاستقرار والاستهزاء بالثوابت الوطنية؟ ما هي الإجراءات المتخذة حيال هذا الوضع الذي له وقع العدوى في الملاعب وبين أنصار الأندية ؟ من يستثمر أسهمه السياسية بين الشماريخ المشتعلة والحناجر الهادرة؟
نحن جميعا نعلم طبيعة جماهير الكرة وغالبيتها ممن لا خلاق لهم ولا غرض لهم لا في علم وعمل.. وهوسهم الرياضي بلغ درجة العبادة…وهذه ظاهرة كونية. ومعروف أن الجماهير الرياضية في العالم لها مميزات تميزها عن جماهير أخرى مثل جماهير هواة الروايات أو هواة الموسيقى الكلاسيكية أو هواة علوم الفضاء أو هواة الرسم وغيرها من الهوايات… لكن جماهير الكرة يغلب على أهلها التعصب واستهلاك العاطفة والحماس والطاقة العقلية في توافه الأمور التي إن تكثفت وتركزت فلا ينبغي ان تجاوز حدود الاستمتاع في جو من الروح الرياضية وإطارها الاخلاقي…
لكن هل هي كذلك بين جماهير الكرة المغربية التي لها تاريخ طويل مع العنف المادي واللفظي وازهاق الارواح وتخريب المدرجات والممتلكات وحرق الإطارات والسيارات والعبث في الفضاءات العمومية…؟ هل هذه جماهير لها قضية وتدافع عن مطالب؟
أليس كثير من جماهير أنديتنا من قطاع الطرق المعروفين في أحيائهم ودروبهم بالكسل والخمول وضيق الأفق وجرائم الاغتصاب والعنف الأسري وتعقب الفتياة في الشوارع واستهلاك المخدرات والتطرف الديني؟ أليس كثير منهم ممن غادر الصفوف الدراسية طواعية وأبى إلا طريق التسكع والعطالة؟ أليس كثير منهم تتوفر له فرص العمل ويصُدّ عنها؟ ألا يؤمن كثير منهم أن على الدولة أن توفر له معاشا شهريا مجانيا ليتفرغ هو إلى هوسه الكروي وملاساناته مع غرمائه من أتباع النوادي الأخرى على صفحات التواصل الاجتماعي؟
هل أولئك مجموعات من الملائكة خلقوا في هذه الحياة ليلعبوا دور الضحية الأبدية والاعتراض والتظلم في مقابل الشر المطلق الذي ينهب اللقمة من أفواههم؟ فهل بحثوا عنها حقا؟ هل بذلوا جهدا أم أنها أصبحت العادة والعذر؟ ألا يجد الأفارقة في بلادنا القادمون من بلادهم البعيدة عملا يحفظ كرامتهم ويوفرون منه مبالغ يرسلونها لأهلهم في بلدانهم؟
ألم يقل الرافعي إن في شباب العرب شيخوخة الهمم والعزائم، و أن اللهو قد خفَّ بهم حتى ثقُلَت عليهم حياة الجدِّ، فأهملوا الممكنات فرجعت لهم كالمستحيلات؟
ألم تنتشر بين الألمان مؤخرا تلك الطرفة ذات الدلالة التي تحكي عن مهاجر افريقي عندما وطئت قدمه ارض ألمانيا التقى رجلا وبادره بالقول: أود ان اشكركم على حسن استقبالي ومنحي سكنا وراتبا شهريا ورعاية صحية وأكلا وملابس… فقال له الشخص :انا لست ألمانيا انا الباني، فتركه والتقى بآخر وبادره بنفس الكلام فأخبره هذا أيضا انه تركي، ومر بآخر وفعل معه الشيء نفسه فقال له أنا عربي، حينها سأله الإفريقي فأين الألمان إذن؟ فنظر العربي إلى ساعته وأجاب: ربما يكونون الآن في العمل.
الملكية هي الحل