انطلقت بجنيف جولة من الحوار المباشر بين الأطراف المعنية بنزاع الصحراء المغربية، وهي مائدة لاستطلاع آراء ومواقف المكونات، وهي الجلسة الأولى، التي تتوقع الأمم المتحدة أن تتلوها جلسات، حتى يتم إذابة الجليد بين أطراف القضية، ولأول مرة يتم إقحام الجزائر كفاعل رئيسي لا فاعل خير كما تزعم، حيث تعتبر دعمها للبوليساريو دعما إنسانيا، وهي نادرة في تاريخ البشرية حيث يتم وصف الانفصال بالتحرر وتشجيع تمزيق الأوطان.
ليس من مصلحة الجزائر نهائيا الدفاع عن تقسيم الأوطان، إذ لا يخلو بلد من عوامل التوزيع كما تسعى إليها جهات في الغرب، التي ترى في العالم العربي خارطة من عشرات الدويلات، يسهل التحكم فيها والسيطرة عليها واستغلال خيراتها، بينما اليوم لا مجال للكيانات الصغيرة، فالوحدة ضرورة تاريخية، ولسنا حالمين للدعوة لوحدة سياسية، ولكن بما أن قدر الجغرافية وضعنا متجاورين، فعلى الأقل نستغل هذه الجيرة في بناء كيانات قوية اقتصاديا.
ما تجرأ علينا الآخرون إلا لأننا لم نتمكن من بناء الذات القادرة على المواجهة، بل ساهمنا في إضعاف الدول العربية في هذا الجوار، الذي يستحيل أن يستمر في ظل التمزق، خصوصا بعد التحديات التي يطرحها العالم اليوم، الموسوم بالعالم خلال وما بعد المرحلة الإرهابية، فالزمن الإرهابي يفرض حدودا دقيقة رغم كونها مفتوحة.
وتفرض التحولات الاقتصادية العالمية بناء تكتلات جغرافية ومن دونها ستتضرر الشعوب، ولن تستطيع مقاومة الغزو الاقتصادي العالمي، المتعدد الأطراف.
نحن الآن لسنا أمام قضية سياسية فقط. طبعا القضية لها بعد جيوستراتيجي وجيوسياسي، باعتبار الصحراء بوابة العالم الشمالي نحو الجنوب. لكن القضية اقتصادية محكومة بالتاريخ والجغرافية، وقدرنا هو وحدة هذه الأقدار شئنا أم أبينا، لأنه لا أحد قادر اليوم على العيش منفردا في ظل اقتصادات معولمة. ولا يمكن التعويل على الموارد الطبيعية وحدها في إنتاج الثروة فالأرض سينضب معينها وعطاؤها وحينها نكون أمام مفارقات عجيبة، الانتقال من أموال وعائدات النفط والغاز إلى الخواء والانطلاق من الصفر، فلماذا لا نستغل الظرف الحالي قصد بناء مغرب كبير موحد يكون على الأقل سوقا اقتصادية منافسة؟
إلى أي حد ستبقى الجزائر قادرة على تمويل المؤامرة ضد المغرب وتمويل جبهة البوليساريو؟ بعيدا عن المبدئية فبراغماتيا من مصلحة الجزائر الانتهاء من هذا المشروع، الذي ضيع أبناء المنطقة وعطل التنمية لمدة أربعين سنة. فالحوار ليس مع البوليساريو، حتى لا يستشكل أحد بالجلوس مع من يسميهم المغرب المرتزقة. نعم تجلس مع الوكيل لتعرف الأصيل. لابد أن تعرف من يخوض حربا بالوكالة ومن هو صاحب المعركة الحقيقية.
لقاء جنيف كفيل بأن يظهر لنا وللعالم أن الحرب كانت مع الجزائر طوال هذه السنين، ولم تكن مع جماعة من المرتزقة، التي تنتهي بمجرد انتهاء الجهات الداعمة عن التمويل.
جنيف فرصة للجميع للانتهاء عن البغي والعدوان وبناء اتحاد مغاربي كبير.