في صفحتها [الحياة في العالم]، ليوم (08 أكتوبر 1904)، نشرت جريدة [الفيغارو] الفرنسية، مقالاً صغيرًا، قد يبدو دون أهمّية، ولكنّه كان من أخطر ما نُشِر حول المغرب؛ كان عنوان هذا المقال الخطير هو: [الاتفاق الفرنسي الإسباني]، مع رسْم كاريكاتوري بعنوان: [المغرب بريشة موريس] يبدو فيه المغرب، وكأنه أرنب سقطتْ قائمتاه الخلفيتان في فخّيْن برمال الصحراء المغربية، وقائمته اليسرى الأمامية بيد فرنسي، واليمنى بيد إسباني، وكل واحد يريد أن يجرّه إليه بقوة؛ وحسب هذا المقال، اتّفقتْ كلٌّ من فرنسا وإسبانيا حوْل امتيازاتهما في المغرب، وبموجب هذا (الوفاق)، صادقتْ إسبانيا على ما تمّ الاتفاق حوْله في (08 أبريل 1904) بين فرنسا وبريطانيا، وما اتفقتا عليه بهذا الخصوص من تنازلات متبادلة حول المسألة المغربية؛ وهو ما أسماه كاتبُ المقال [concessions mutuelles]؛ وهكذا كان المقال الذي بدا دون أهمّية، من أخطر ما كُتِبَ حوْل المغرب في ذلك الوقت، وهو ما ستؤكّده الأحداثُ التي تلتْ، والتي سنحترم تَسلسلها الزمني دون تعديل حسب ما يسمّى (كرونولوجيا الأحداث)، لأن للزّمن، والتاريخ أهميتهما..
وفي (01 أبريل 1905) رستْ بارجةُ (لوهامبورغ) الحربية الألمانية في ميناء [طنجة]؛ وكان على متنها (قيصر ألمانيا) [غيوم الثاني]؛ كانت زيارةً فجائية تمامًا، سُمِّيت [ضربة طنجة]؛ زُيِّنت شوارعُ المدينة، وتمّ تبييض الجدران، ولـمّا نزل القيصرُ الألماني، حيّتْه مدافعُ البارجة الفرنسية [دوشايْلَة]؛ فاستقبله القائمُ بالأعمال الألماني، مصحوبا بعمّ السلطان، وكان يُدعى (عبد الملك).. وفي مثوله أمام الجالية الألمانية في (طنجة)، ألقى القيصر كلمةً قال فيها: [في بلد مستقلّ مثْل (المغرب)، فإنّ التبادل التجاري يجب أن يبقى حرّا؛ وسأفعل كلّ ما بوسعي للحفاظ على المساواة في الحقوق التجارية لكافة الدول؛ فليس هناك تأثير أو هيمنةٌ لدولة على هذا البلد..].. كلمة [بلد مستقل] لم تُعجب الوزير الفرنسي [ديلكاسّي].. بعد هذه [الضربة] كما سُمِّيتْ، قدّمَ [ديلكاسي] استقالتَه من الحكومة الفرنسية؛ وقامت الحكومة الألمانية باستغلال ما اعتبرتْه دبلوماسيًا بتعزيز علاقاتها مع (روسيا)؛ وهكذا، التقى القيصر الألمانيُ [غيوم الثاني] بالقيصر الروسي [نيكولا الثاني] في [بجورك] قرب مدينة [سان بيترسبورغ]، وقد راقه خطابُ [غيوم] في (طنجة)، بالإضافة إلى أن روابط دم تربطهما؛ فزوجة (القيصر الروسي)، هي من أصل ألماني قريب من القيصر الألماني [غيّوم الثاني]، وكلاهما يقْربان من الملكية البريطانية العريقة للتذكير فقط؛ وهذا لن يمنع مستقبلاً تفادي الحرب بين (روسيا وألمانيا) خلال الحرب العالمية الأولى..
في يوم الأحد (22 يناير 1905) نظّم رجلُ دين يُدْعى الأب [غابّوني]، مظاهرةً سلمية تطالب بالخبز، والإصلاحات الاجتماعية، في [سان بيترسبورغ] في (روسيا) ولكنّ أيادي خفيّة حوّلتها إلى مأساة، سُمِّيت [الأحد الدّامي].. وفي (27 ماي 1905) سحقت البحريةُ اليابانية بقيادة الأميرال [طوغو] البحرية الروسية في مضيق [تسوشيما]، ومن بين (26) سفينة حربية روسية، (17) منها أُغرِقت في دقائق، و(05) منها حجزها اليابانيون، ولم يبقَ منها غير (السفينة ــ المستشفى) حيث مات الأميرال الروسي [روجديست ڤانسكي] كما تمّ سَجنُ كافة الجنود الروس في حامية [بورآتور] من طرف اليابانيين؛ ويرى عالمُ المستقبليات المغربي الدكتور [المهدي المنجرة] رحمه الله، أنّ هذه المعركة نسفتْ أسطورةَ (الإنسان الأبيض الذي لا يُقهَر)، وقد تمكّن (النسانسُ الصُّفر) كما سمّاهم الروس قبل المعركة، من قهر (الدّب الروسي).. وفي يوم (08 يوليوز 1905) حدث تمرّدٌ على متن بارجة [البوتومْكين] في البحر الأسود، فقُصِفتْ مدينة [سيباستوبول]، وكانت تلكم بوادر نهاية الملكية في (روسيا) كما تنبّأ [تولستوي] إذ قال إنّ الملكيات المنهوكة تفتح السجون، وتقطع مصادرَ العيش والخبز، فأُدخِلَ السجن..
ومعلوم أنّ سفن (الأرمادا) الروسية، رستْ بميناء (طنجة) لمدة ثلاثة أيام، ثم أخذت السفنُ البطيئةُ طريقَها عبر قناة (السويس)، والسفن السريعة عبر (رأس الرجاء الصالح) في (جنوب إفريقيا)؛ وخلال الرحلة الطويلة، كان يتم تدريب بحّارة بلا تجربة قتالية أو بحرية، لأنّ هذه السفن الرائعة، كانت أسطُحها مراقص للغناء، والرقص، وشرب (الڤودكا) الروسية بصحبة نساء في فساتين (السواريه)، والأميرالات بنياشينهم البرّاقة، والشعوب الراقصة كما يقول المؤرّخون، لا تكسب أيَّ رهان، بعكس الشعوب الغاضبة، وهو ما أكّدتْه معركةُ [تسوشيما]، ودلّلتْ على قرب انهيار الإمبراطورية الروسية، وتمّ انهيارُها في الحرب العالمية الأولى، وقد دخلتْها (روسيا) وهي منهوكة بالكامل..