طه لمخير
أمامنا ثلاثة من أقطاب الاسلاموية المروجين لمشاريع الايديولوجية الاسلامية، سقطوا تباعا هذا العام؛ طارق رمضان، توفيق بوعشرين ،وجمال خاشقجي. لكل منهم قصته وحيثياته وفانتازياته، وإن كانت كلها تجتمع حول استغلال الدين والمتاجرة بالغيب من أجل تحقيق أهداف سياسية.
فهؤلاء الإخوة الأشقياء الموزعون بعناية على الجغرافيا،أوروبا، شمال افريقيا والشرق الاوسط وهو المجال الحيوي للتيار الاسلامي الذي يسعى لاسقاط الدول الوطنية وتقويضها في سبيل إقامة عرش الخلافة التي ستحكم باسم الله- كلهم لقوا مصائر مأساوية مدمرة.
نلاحظ في هذا الإطار أن العناصر التي استخدمتها الاسلاموية وعولت كثيرا على شعبيتها وكاريزمية شخوصها تتميز بازدواجية الظاهر والباطن، المعلن والمضمر، مما يكرس الصبغة "الاستئجارية" لتلك العناصر. فهي عناصر مأجورة للترويج لفكرة ما واتجاه معين دون أن تتقيد هي ذاتها بمحدداته الاخلاقية والمثالية،كالذي يستأجر رحما او نطفة منوية لتخليق كائن حي بسبب عجز ذاتي بيولوجي أو ما شابه.
فالتيار الاسلامي- رغم ما يحف به من رافعات ومساند تقيمها الدول الغنية بالغاز والنفط والتي تنفق عليه منذ السبعينات ليبقى ويطغى على باقي التيارات خصوصا المدنية والليبرالية- أثبت أنه لم يفتأ مخيبا لآمال الكثيرين الذين راهنوا عليه لخلق عالم اسلامي جديد تحكمه توجهات وسياسات رجعية، ومن هنا برزت استراتيجية الاستبضاع الفكري والثقافي وشراء الذمم العقلية والتنظيرية للطاقات الأكثر ذكاء ودهاء وبروزا في المجال الفكري والإعلامي.
لا نريد أن نوسع الحديث عن مجمل المنخرطين ومن هم في سبيل الانخراط في هذا المشروع الذي تتوسع قواعده وتتآلف آلياته يوما بعد يوم متخذا من تركيا وقطر مقراته الرئيسية ومراكزه التي تضع الخطط والاستراتيجيات الكبرى،كما أننا لن نتحدث على العناصر الاسلامية التقليدية الصريحة التي لا تتوارى وراء أقنعة حقوقية او تحت رداء نشاط مدني أو صحفي مجرد عن كل غاية ايديولوجية دينية.
فأولئك معروفون وخطابهم الدعوي لا يخفي ما وراءه من شمولية وإقصاء كهنوتي دون مواربة،وسنقتصر بنظرات عامة إلى ثلاثة نماذج تعبر عن هذا النمط من الاشتغال والتجنيد الذي يستخدم لغة الديموقراطية والحريات كيافطة لاثارة الاعجاب والإيهام التقيوي:
جمال خاشقجي
لا نحتاج إلى أن نقوم مثل كل من يتعرض لقضية الصحفي القتيل بالاستنكار والشجب فهذا امر مفروغ منه. لكن ذلك لن يفل في عزمنا في كشف العلاقات التي كانت تحكم هذا الصحفي مع العالم والمشروع الذي يشتغل فيه، وهو عالم مناقض ومناهض للقيم التي يتمسح بها في خطاباته الايهامية والمحاطة بسياج من الخداع والنفاق الصحفي على صفحات الوشنطن بوست.
ففي مقال ل دانيال غرين على موقع front page magazine يذكر نقلا عن جمال خاشقجي (الذي كان يعاشر في ايّام الثانوية صديقه الحميم اسامة بن لادن-حينها عضوان شابان في جماعة الاخوان المسلمين ويحكي عن تلك الأيام التي كان فيها ابن لادن تلميذا مخلصا لمحمد قطب شقيق المنظر الإرهابي سيد قطب-) قوله : "كنّا نحلم بأن نؤسس لدولة إسلامية… كنّا نرى أن الواحدة سوف تؤدي لقيام الأخرى وهذا سيكون له اثر الدومينو وبمقدوره ان يغير مسار التاريخ البشري!"
نفس الفكرة التي نجدها عند عبد السلام ياسين في حديثه عن القطر الاسلامي والقطرية ثم اتحاد تلك الأقطار في خلافة على منهاج النبوة. الصداقة بين خاشقجي وبن لدن استمرت إلى بزوغ ما عرف بالجهاد الأفغاني الذي كان عبد السلام ياسين يناصره بالدعوة إلى جمع التبرعات على صفحات مجلة الفتوة في الثمانينات، وكان عبد الكريم مطيع صاحب الشبيبة الاسلامية يجند الشباب المغاربة من مكة لالتحاق بصديقه عبد الله عزام إلى بلاد الأفغان.
نقول ذلك لنبينأن العلاقات متشابكة بين مختلف العناصر العاملة بحمية وحماس في سبيل مشروع الخلافة وممتدة في الزمان والمكان، وأنه مسار يتميز أربابه ودعاته بالصبر والإصرار، ومع مجيء اردوغان أضحى المشروع بالنسبة إليهم اقرب إلى التحقق من أي وقت مضى، بل يمكن القول أن أحداث الربيع العربي أثبتت لهم أنهم يسيطرون على الشارع، وأن بإمكانهم إذا وجهوا جهودهم الدعوية والدعائية إلى تكوين رأي عام متعاطف مع فكرة الأمة والخلافة والعثمانية الجديدة؛ أن يحرضوا على ثورات بنفس ايديولوجي جديد في ما باتوا يسمونه الموجة الثانية للربيع العربي.
عمل خاشقجي مراسلا صحفيا جهاديا في بلاد الأفغان بايعاز من عادل باترجي (أحد المصنفين من الخزينة الامريكية على قائمة اهم ممولي الارهاب) والتقطت لخاشقجي صور وهو يستعرض مع أرباب اللحى والسواك الاربيجيهات على الأكتاف والسبابات المرفوعة إلى السماء.
تروج له بعض وسائل الاعلام الغربية والإخوانية على حد سواء باعتباره صحفيا معارضا، مدافعا عن حرية التعبير ومناديا بالديموقراطية ودولة المؤسسات، لكن كتاباته العربية منذ الثمانينات في أفغانستان كانت تحمل عناوين من مثل: المجاهدين العرب في أفغانستان يجسدون وحدة الأمة الاسلامية.
لفظة "الأمة" من المصطلحات الملغومة،أصبح الان لا يعني أمة روحية إيمانية، بل أمة سياسية أمة الخلافة التي يحكمها الأتراك من الأناضول، لا تعترف بالحدود الوطنية وسيادة الأمم التي تدين بالإسلام على ترابها الوطني، ولذلك يركزون على هذا المصطلح الان ويستغلونه كمفهوم رئيسي وشعار جوهري مرشح ليكون من شعارات الثورات الخلافوية الدينية التي يتنبؤ بها الاسلاميون وينظرون لها على قدم وساق.
بعد خراب أفغانستان على يد الجهاديين وحكومة العصور الوسطى الطالبانية عمل خاشقجي مستشارا للأمير لتركي الفيصل رئيس الاستخبارات السعودية السابق، وصار له اطلاع واسع بدوائر صنع القرار في السعودية ومعرفة بخبايا الحكم وتجاذبات القوى وتناقضاتها، ولقد ولغ من إكراميات الأروقة العليا وأثرى اثراء فاحشا مثل كل من ساعفه الحظ ووطئت قدمه أرض البلاط السعودي.
لكنه بعد أن شبع من أموال الأمراء، واشترى إقامة باذخة في واشنطن، عاد إلى شهوته الاسلامية القديمة،إلى الدوغما التي تربى وترعرع على الولاء لها، واستعذب الدخول في أجواء مغامرة تستهوي اليوم الاسلاميين والمستلحقين بهم من الصحفيين والكتاب المؤلفة قلوبهم..مغامرة على درب الخلافة..ومن هنا أوعز له اردوغان انشاء حركة الديموقراطية للعالم العربي الان(اختصارا DAWN) لكنه قضى قبل انطلاقها الفعلي.
طارق رمضان دنجوان الاسلاميين وفارس أحلام الأخوات، هو الآخر من تلك العناصر التي تشتغل منذ عقود من أجل المشروع ووفرت له قطر دعما ماليا هائلا، وكان يقضي نصف العام في الدوحة،يضع الاستراتيجيات ويقلب النظر في الخطط والنتائج ومراحل تطور المشروع على الصعيد الاوروبي بالموازاة مع تطوره على الصعيد العربي هو وزميله في الشقاوة أستاذ الاخلاق السياسية المقرب من دوائر الحكم في قطر محمد المختار الشنقيطي؛والذي تبرأ منه مؤخرا في مقال يذكر بليالي أم كلثوم تحت عنوان معبر :"كان صرحا من خيال وهوى"، وهو العنوان الذي يعبر على الحالة العاطفية للاسلاميين الذي شعروا بالخيانة، يقال انه احدث زلزالا في قطر وبين أنصار الداعية الاسلامي والمخلصين له في اوروبا، خصوصا عندما وصف الشنقيطي زميله رمضان "بالإدمان المزمن" على الجنس!!
واضحٌأنناأمام"وحوش جنسية"تحترف الورع والتقوى والدعوة للأخلاق الدينية والسياسية؛طارق رمضان وتوفيق بوعشرين وحتى خاشقجي الذي ثبت أنه حين كان مع خطيبته في تركيا كان يضاجع امرأة أخرى في الولايات المتحدة بينما حريمه التقليدي الآخر تركه مهملا في السعودية. أصبحت ظاهرة نطالعها بين الفينة والأخرى؛ يمارس الاسلاميالجنس بفجور وشراهة ويكفر عن ذلك بممارسة الدعوة الدينية والإصلاح الاجتماعي والسياسي على المنابر الإعلامية وفِي ثنايا الافتتاحيات العنترية.
لقد أصبح الجنس والفضائح الجنسية صفة -وللغرابة- ملازمة لهذا التيار الذي يدعو للتقشف الجنسيو يتهم غيره بالشهوانية والحيوانية، وإذا كان -حسب المقولة الفلسفية-"الانسان يحوي نقيضه" فإن نظرية الأخلاق و"الباءة"السلوكية التي يروج لها الاسلاميون في المجتمع؛ الانسان الممتاز المثالي الورع التقي او بتعبير نيتشه Superman "الاسلامي" لا وجود له على الإطلاقإلا نظريامهما شحنته بالمواعظ وخوفته من العقاب لأنه اولا وآخراً إنسان…
القول بأن الاستمناء يورث العمى أوأنمجرد التفكير الجنسي سيؤدي إلى الخلود في الجحيم، أو قبلة عابرة ستصيبك بالشلل، هذا الترهيب النفسي الذي يطبع الخطاب الطهراني"الحَصُور"يتحول إلى شرائط جنسية وصور بورنوغرافية وجلسات تدليك ساخنة وجدها المحققون مؤخرا على حواسيب طارق رمضان، إضافةإلى ما صرحت بهالسلطات السويسرية-مؤخرا بعد تمتيعه بسراح مؤقت- من ثبوت تحرش الداعية عندما كان معلما في الثمانينات بطالباته المراهقات في سيارته،أو ممارسات سادية ومازوخية سوريالية موثقة ومصورة على كنبة توفيق بوعشرين..!
وهاهم يعاينون فساد النظرية حتى قبل تطبيقها في المجتمعات التي جعلوها حقل تجارب لثورات الدمار والهمجية الاجتماعية التي تقتات على خطاب الحركة الاسلامية حتى في أعلى مستويات المنظرين الاسلاميين والمتحدثين باسم التيار في ميدان الاخلاق والسياسة. ولعل هذا ما أشار إليه شكسبير في king Lear عندما قال إن الشرطي عندما يجلد المومس تكون لديه رغبة ساخنة لاستعمالها في الفعل نفسه الذي يجلدها عليه.
الاسلاميون من خلال مسيرتهم الطويلة أثبتوا أنهمذلك "الشرطي" الورع الذي يريد إقامة عقوبات الجلد والرجم على العناصر المخالفة في المجتمع، رغم كونه أشد حبا لما ينهى عنه، ولديه رغبة داخلية مقموعة لا يعبرعنها إلا في عالمه السري الخاص. ولعل الثورة المعلوماتية والتكنولوجية كانت وبالا عليهم بقدر ما خدمتهم في الدعاية، لأنها كانت سببا في فضح أحوالهم المتناقضة ومعاييرهم المزدوجة التي ظلت طَي الكتمان في الماضي الذي لم تكن فيه أجهزة الكاميرا وتطبيقات التواصل منتشرة، وإلا لتساقط كثير من الرموز التي تتمتع عندهم بالقدسية والجلال.
وهذا حال معظم الحركات التاريخية التي تحيط نفسها بطقوس وتعليمات أخلاقوية صارمة مثل الفيرمخت أو الجيش الألماني النازي الذي أظهرت الدراسات أن عناصره في حدائقهم الخلفية ومجالهم السري الخاص عندما ينزعون البزة العسكرية يجنحون إلى التخنث، وأظهرت الصور الشخصية التي كانوا يلتقطونها في مواسم الاحتفالات الخاصة عروضا يلبس فيها الجنود فساتين نسائية ويضعون المساحيق وحمالات الصدر ويتخنثون في الكلام والمشي والإيحاءات الجنسية في تعارض صادم مع صورة الجندي النازي الصارم والملتزم والبالغ الفحولة.
ولقد حاول من كان قبلهم من الرهبان والقساوسة في العصور الوسطىأن يتحكموا في أفعال الناس وضمائرهم وحركتهم في الوجود بقوة السيطرة الكهنوتية الكنسية، واشتهروا بأخلاقهم الجنسية المزمنة في حرم الكنائس ودور الصلوات، حتى صارت مقولة"no boy’s behind left لم تبق مؤخرة طفل سالمة"مما يلازم السلوك الاخلاقي لرجال الكنيسة.
الكبت والرقابة الجماعية الشمولية لعناصر المجتمع الإسلاموي ونصب محاكم التفتيش الأخلاقي الذي ينظر له الاسلاميون يخلق هذا النوع من السلوكات المشينة والمنحرفة؛ في بلدان الخليج التي تمنع النساء من الخروج من البيت وتفرض فصلا راديكاليا بين الجنسين في المدارس؛ هي من البلدان التي ينتشر فيها زنى المحارم المسكوت عنه، وتنتشر مظاهر اغتصاب الأطفال والجنس بين المراهقين في الخلوات…
في ايران التي تمنع الواقي الذكري وتصب ماء النار على وجوه النساء السافرات وتمنع امتلاك الكلاب، لا يكاد الزائر لضريح الخميني أن يخرج إلى عتبات المزار حتى تعرض عليه النسوة زواج المتعة محددا بالساعة والسعر وفِي أماكن مخصصة أشبه بالبورديل، ومع ذلك فإن المرأة التي زوجها مصاب بالأيدز ممنوعة من أن تطلب منه استعمال الواقي الذكري!.
في مصر التي غزاها المد الإسلاموي اكثر من اَي بلد عربي آخر يرفض الاسلاميون تحديد النسل ويعتبرونه كما روج لذلك الشعراوي والغزالي وقبلهما المودودي تغييرا للديموغرافيا الإلهية، فكانت النتيجة أن مصر تزداد بنسبة عشرين مليون نسمة كل عشر سنين، ويتكدس 100 مليون نسمة في القاهرة ومدن الديلتا اَي في مساحة 10% من مساحة مصر، وهي مساحة دولة مثل سويسرا التي لا يتجاوز سكانها سبعة ملايين.
المغرب رفض فكرة الشرطة الدينية، رفض فكرة الاكراه الاجتماعي على التعاليم والسلوكات الايديولوجية ونمطية اللباس الشرعي كما يتصوره الاسلاميون، وترك للأفراد حرية اختيار ما يلبسون وأسلوب الحياة الذي يرتضون سواء كانوا من المتدينين او غير المتدينين، وسواء كانوا من أتباع الطائفة المسلمة او الطائفة اليهودية، وكل أولئك يشعر بنفسه ممثلا في المؤسسة الملكية التي تخفض جناحها لجميع التوجهات وتأبى الا ان تشمل المواطنين جميعا تحت لواءها الأغر لواء التعددية.
الملكية هي الحل