تقع في فرنسا أحداث متتالية ومتسارعة، بدأت بخروج أصحاب السترات الصفراء احتجاجا على الزيادة في أسعار المحروقات وبعض الضرائب، واليوم وصلت مواصل قبيحة، حيث أخرجت نقابة الشرطة كل ما لديها من غضب وأخرج المحتجون كل ما لديهم من غضب، وتعرضت باريس للتخريب والتدمير وتم حرق الممتلكات العامة والخاصة، ويستعد وزير الداخلية الفرنسي لإعلان حالة الطوارئ. ليس من شأننا أن نتدخل في شؤون الآخرين، لكن المقامات تفرض المقالات. والحدث يستدعي الدراسة. والمقارنة واجبة لمعرفة حجم الظلم الذي مورس ضدنا.
بعد حادث مقتل بائع السمك محسن فكري عرضيا بشاحنة للنفايات، خرج المواطنون للاحتجاج بمدينة الحسيمة ونواحيها، وتوسعت دائرة الاحتجاج وامتدت، وأصبح يطلق عليها حراك الريف، وأصبح للحراك قادة وزعماء، وأصبح القادة والزعماء أدوات تنفيذ لمن يمسك الريموت كنترول.
ومع ذلك، صبرت الأجهزة الأمنية والسلطات لمدة ثمانية أشهر بالتمام والكمال، وظلت تراقب الوضع وتحرص على حماية الأمن والاستقرار، وفضلت تتبع خيوط اللعبة إلى النهاية، حتى ظهر الخيط الأبيض من الخيط الأسود وتبين أن الحراك كلمة حق يراد بها باطل، وأن المطالب مشروعة لكن الأدوات مغشوشة.
جلالة الملك محمد السادس باعتباره أعلى سلطة في البلاد أعطى أوامره للتحقيق في الاختلالات التي عرفتها المدينة، وخصوصا مشروع الحسيمة منارة المتوسط وتم ترتيب الحساب على المسؤوليات، وتم إعفاء وزراء نتيجة تقصيرهم في العمل، وتم حرمانهم أبدا من تولي مناصب المسؤولية.
ورغم كل المحاولات التي بذلتها الجهات المعنية ومحاولة فتح الحوار، كان الممسكون بالريموت كنترول يرفضون الجلوس على طاولة النقاش. ورغم ذلك لم يكن هناك تدخل أمني إلا بعد أن تجاوز المحتجون كل الحدود، وبعد أن انجلت اليد الخارجية الغادرة والآثمة، حيث تحول الحراك من السلمية إلى مهاجمة قوات الأمن وتم إعطاب وإحراق سيارات المصلحة، وفي إمزورن تم إضرام النار في عمارة لرجال الأمن، كادت تودي بحياة الكثير منهم، كما توجد حالات ميؤوس من شفائها.
في ظل هذا الوضع تم التعامل مع الحراك قانونيا وتحت إشراف النيابة العامة، وتمت المحاكمة وفق القواعد التي تؤطر عدالتها.
ما جرى في الحسيمة جزء صغير مما يجري في المغرب سنويا. حيث تفوق الاحتجاجات الاجتماعية 13 ألف. لا يمكن أن ننكر أنه تقع بعض الخروقات والتجاوزات. لكن في بحر كل هذه الأحداث تعادل تلك الانزياحات نسبة ضئيلة جدا.
يقع هذا في المغرب، لكن في باريس مهد الأنوار وحقوق الإنسان والديمقراطية، ومركز الدروس التي توجه إلينا يوميا، تتجه الدولة لفرض حالة الطوارئ، ولسنا هنا في وارد تقييم طريقة تعامل الأمن الفرنسي مع الأحداث، إذ من حق الدول أن تختار الطريقة القانونية لحماية الأمن العام، لكن على فرنسا أن تعرف أن المغرب أوجد قواعد ومسالك للتعامل مع الاحتجاجات تفرض ضبط الأمن لكن دون تجاوز للقانون. وفي هذه أيضا نحن لدينا ما نقدمه للعالم بعدما أصبحنا نقدم الخبرة في مكافحة الإرهاب.