كثيرٌ من الملاحظين السياسيين المهتمين بقضية الصحراء المغربية والمقتنعين تاريخيا وجغرافيا واجتماعيا وإثنولوجيا بأن الصحراء مغربية 100%، كثيراً ما ردد هؤلاء السياسيون أن استسلام المغرب للضغوط الفرنسية والأمريكية عام 2007 بأن يقدم مقترح الحكم الذاتي الموسع للساقية الحمراء ووادي الذهب تحت السيادة المغربية هو خطأ فظيعٌ، وقد اعتبر هؤلاء الساسة أن المغرب أخطأ خطأً فظيعا بذلك لأنه لم يكن يعلم أن جماعة قصر المرادية كان هدفهم الاستراتيجي ولا يزالون هوالاستيلاء على الصحراء المغربية وليس حل مشكلة إنسانية تتعلق بجماعة بشرية تعاني في مخيمات تندوف ، لذلك اعتبرت تلك المافيا الحاكمة في الجزائر مقترح الحكم الذاتي سَيَحْرِمُهَا من الاستيلاء على الصحراء لأن المقترح مشروط بأن يكون تحت السيادة المغربية وطالما أن الصحراء ستبقى– حسب هذا المقترح - تحت السيادة المغربية فلا فائدة ترجى منه في نظر مافيا الكوكايين الحاكمة في الجزائر ، وكان المغرب يظن– بحسن نية - أن القضية تهم حل معاناة ساكنة مخيمات تندوف لدى الجميع بمن فيهم حكام الجزائر ، أي هي فعلا قضية بحث عن حل لمعاناة المحتجزين في مخيمات تندوف ، و لذلك قَـبِـلَ المغرب ترضيتهم بمنحهم حق الحكم الذاتي ، لكن مع الأسف ثبت بعد مرور 11 سنة على مقترح المغرب ظهور الأطماع الحقيقية لحكام الجزائر التي كان يجهلها المغرب ، وظهر أنهم يخططون لتدمير الجزائر وشعب الجزائر نفسه وذلك بخلق كل ما يَخْـنُـقُ هذا الشعب الجزائري سياسيا و اقتصاديا واجتماعيا إلى الأبد :أولا: بخلق غموض المستقبل السياسي السائر نحو المجهول لهذه البلاد ، وقد نجحوا في ذلك لأن الجزائر لم تشهد مثل هذا الغموض السياسي منذ انقلاب 12 يناير 1992 على الشرعية الشعبية ،ثانيا بزيادة الضغط على خزينة الدولة الجزائرية بعد أن يسرقوا منها النسبة الثابتة الخاصة بالماسكين بزمام الحكم في الجزائر وتقدر بأموال طائلة يستولي عليها هؤلاء اللصوص أولا و قبل كل شيء حتى لا يبقى فيها ما ينتفع به الشعب الجزائري في ما يتعلق بتنمية معيشتهم اليومية ،ثالثا حرص حكام الجزائر على التخطيط الدائم والتركيزعلى كل ما يدعم ويركز مكانة الجزائر الاقتصادية والاجتماعية في الهاوية المتخلفة الأبدية ودليل ذلك أنهم قد تصرفوا في ملايير الملايير في زمن البحبوحة المالية ومع ذلك لا نجد لهذه البحبوحة المالية أثرا في التنمية الاجتماعية للشعب الجزائري الذي يستحق الاهتمام بتنميته هو الأول قبل غيره وبصريح العبارة قبل البوليساريو ومصاريفه التي لا تعد ولا تحصى إنها مصارفٌ على أجهزة دويلة من التسليح إلى الخدمات الدبلوماسية في كل بلدان العالم ، وعليكم أن تتصوروا كم من سفير من البوليساريو وكم من قناصلة وكم من سيارات فاخرة يتمتع بها البوليساريو في الخارج !!! إنه الاحتقار بعينه للشعب الجزائري الذي يعاني من النقص في كل شيء ، رابعا التعنت في حرص حكام الجزائر على تأبيد قضية النزاع المفتعل مع المغرب حول صحرائه ،ورفضهم لأي شكل من أشكال الحلول في قضية الصحراء ، أقول حِرْصُ حكام الجزائر الشديد على الرفض المطلق لكل حل لقضية الصحراء يدخل في إطار استراتيجيتهم البعيدة المدى وهي تدمير الشعب الجزائري تدميرا مطلقا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ونفسيا .... وبعد التأكد الحتمي من تدمير الجزائر دولة وشعبا سينتقلون إلى تدمير المنطقة المغاربية كلها ... فحكام الجزائر جسم غريب عن المنطقة المغاربية فهم يتكونون من الحركي وأبناء وحفدة فرنسا وكبار الشياتة الذين يقتاتون من فتات جنرالات الجزائر ...لأن الجزائري الحر لن يقبل أن تصل الجزائر إلى الحضيض الاقتصادي مع مرور ملايير الملايير من الدولارات بين يديه ويترك الشعب ينبش في القمامات ويترك شبابه يرمي نفسه في البحر كأي دولة منهارة اقتصايا...
ومع تشبث حكام الجزائر باستقلال الصحراء المغربية عن المغرب فهم يضربون باقتراح الحكم الذاتي عرض الحائط لأنه بكل بساطة - بالنسبة لحكام الجزائر - يقف ضد هدفهم الاستراتيجي وهو الاستتيلاء على الصحراء المغربية ، بل سَخِرُوا من المقترح كما شرعوا في تبخيس كل أعمال صاحب المقترح مثلما هم - اليوم - يبخسون اليد الممدودة اليوم إليهم من طرف ملك المغرب ، وليعلم الشعب الجزائري أن لا خير في حكام بدأوا بكراهية الشعب الجزائري نفسه حيث استولوا على ثورته وثروته طيلة 56 سنة ونهبوها وهربوها إلى الخارج بالتآمر مع الاستعمار الفرنسي.
أرجو أن يفكر الشعب الجزائري في ملايير الملايير التي سرقها هؤلاء الحكام طيلة هذه المدة ، إنها لا تحصى ... إنها لا تحصى ... إنها لا تحصى
من العبث أن يحضر المغرب الى مائدة جنيف وهو يحمل معه مشروعا مرفوضا مسبقا :
بما أن كل قرارات مجلس الأمن تؤكد كلها على أن كل المفاوضات بين المغرب والبوليساريويجب أن تكون بدون شروط ،إذن من العبث أن يحضر المغرب لهذه المائدة المستديرة وهو يحمل معه مقترحا مرفوضا ،بل وتشترط كل قرارات مجلس الأمن أن تكون المفاوضات بدون شروط ، إذن إذا حضر المغرب لهذه المفاوضات بشرط أن يكون انطلاق المفاوضات على أساس مقترحه فهذا هو العبث بعينه ...
لماذا يجب على المغرب أن يسحب اقتراح الحكم الذاتي قبل اجتماع جينيف ويتشبث بإدماج أقاليمه الجنوبية ؟
أول ما سيخطر على البال هو لماذا كلمة يجب ... وأكرر ( يجب ) على المغرب أن يسحب مقترحه قبل اجتماع جينيف الذي سينعقد ما بين 5- 6 دجنبر 2018 ويتشبث بمغربية الصحراء ويحرص شديد الحرص على ضرورة إدماج تراب صحرائه في الوطن الأم المملكة المغربية ؟
حقا لست أدري كيف قَـبـِلَ المغربُ عام 2007 أن يبادر إلى تقديم ذلك المقترح العبثي بكل معاني الكلمة لأنه سوف لن يجد شيئا آخر سيقدمه في أي مفاوضات ستكون بعد 2007 سواءا كانت مع حكام الجزائر أو البوليساريو ، فقد كان على الأقل لو كانت لديه فكرة التنازل على السيادة الكاملة باقتراح الحكم الذاتي كان عليه أن يترك هذا المقترح لوقته المناسب كآخر ورقة وفي الظرف المناسب أي حينما تنغلق أمامه جميع الأبواب ، إذاك يمكن أن يضع كآخر تنازل له في هذا النزاع (مقترح الحكم الذاتي الموسع تحت السيادة المغربية ).....
فالآن وقد أغلقت أمام المغرب كل الأبواب في مفاوضات جينيف ماذا سيقدم كبديل لمقترحه ؟ هذا المقترح حسب مفاوضات جينيف يحمل صفتين مرفوضتين بقرارات مجلس الأمن : الصفة الأولى هي كون المغرب قد قدم المقترح على المعنيين بالأمر مباشرة ورفضوه منذ 2007 ، بمعنى أنه ورقة محروقة طيلة 11 سنة بل زاد الرافضون له وَبَخَّسُّوهُ وجعلوه أضحوكة لأنه لا علاقة له بما تقره كل قرارات مجلس الأمن السابقة ألا وهو الاستفتاء لتقرير المصير وهو ما شجع أعداء المغرب على التمسك بما تقرره قرارات مجلس الأمن وهو الاستفتاء لتقرير المصير ...الصفة الثانية: هي كونه أصبح لدى الدبلوماسية المغربية آخر تنازل يمكن للمغرب أن يقدمه في أي مفاوضات كانت وهذا يعني أن المغرب يضرب أي لقاء للتفاوض في الصفر مادام قد ربط كل مفاوضاته مع أعدائه ستكون على أساس مقترح الحكم الذاتي ، ومجلس الأمن في كل دعواته للتفاوض تكون مقرونة بعبارة ( بدون شروط ) ... بالله عليكم كيف سيحضر المغرب لهذه المفاوضات بجنيف وهو يكرر صباح مساء أن المغرب لن يتفاوض إلا على أساس مقترح الحكم الذاتي ، أليس هذا ضرب لشرط من شروط المساهمة في المفاوضات حسب ما تنص عليه دعوات مجلس الأمن للتفاوض ... يبقى السؤال هو كيف تقبل الأطراف الأخرى حضور هذه المفاوضات وهي تعلم أن المغرب سيحضر لهذه المفاوضات على أساس مقترحه الذي سيضعه على الطاولة ولا شيء غيره ؟؟؟...
ولنفكر الآن في سيناريو أن المغرب لم يكن قد قدم ذلك المقترح الذي أكلته 11 سنة من التبخيس ، لنتصور أن المغرب يحضر للمفاوضات وهو ليس له أي مقترح للحكم الذاتي بل يحضرها و هو متشبث بقوة بأن الصحراء مغربية وبأنها قد اندمجت نهائيا في وطنها الأصلي وهو المملكة المغربية ، في هذه الحال سيبحث أعداء المغرب على أي تنازل يجب أن يفرضه على المغرب ، وإذا زاد المغرب في عناده كما يفعل حكام الجزائر المعروفون بالمعاكسة والعناد المجاني ، وإذا زاد المغرب تشبثا بالإدماج و لا شيء غير الإدماج و يصر على وضع أعدائه أمام الأمر الواقع خاصة وأنه قد حسم الأمر عسكريا على الأرض إذاك يمكن للمغرب أن يبدأ بسلسلة متقطعة من التنازلات واحدة تلو الأخرى تلبية لمطامع حكام الجزائر حتى يصل إلى ( اقتراح اللامركزية الموسعة حسب الجهات ) ثم ينتقل إلى ( الحكم الذاتي الضيق تحت السيادة المغربية الصارمة )إلى أن يصل إلى آخر تنازل وهو( مقترح الحكم الذاتي الموسع تحت السيادة المغربية وسيكون ذلك مكسبا كبيرا جدا للبوليساريو حسب هذا السيناريو لأن البوليساريو سيعتبر هو وحكام الجزائر الذين قد انتزعوا الحكم الذاتي الموسع من المغرب بالقوة وليس كما فعل المغرب بأن قدمه لهم على طبق من ذهب من تلقاء نفسه عام 2007 ) بهذا التدرج في التنازلات مع التلويح بين الفينة والأخرى بضرورة العودة إلى إدماج أقاليمه الصحراوية في الوطن الأم المملكة المغربية بصفة نهائية والتلويح برفض التفاوض مع الانفصاليين و غير ذلك من المناورات الدبلوماسية ...
لقد أخطأ المغرب باقتراحه الحكم الذاتي منذ 2007 لأنه لم يكن يعلم أطماع المافيا الحاكمة على الشعب الجزائري بالتخلف الأبدي بالإضافة إلى التخطيط لتدمير المنطقة المغاربية ، وأن هذه المافيا لا تبحث عن الحلول النافعة لتنمية الشعب الجزائري نفسه ( لقد أصبح حال الجزائر اليوم غني عن السؤال : الانهيار العام ..... فمن الفوضى السياسية إلى الانهيار الاقتصادي والاجتماعي والنموذج هو حقد الشعب الجزائري الدفين على ما يسمى جبهة التحرير وما تعانيه من انهيار تام ، والله لقد سمعتُ جزائريا يدعو على هذه الجبهة أن تنهار على جميع رؤوس جميع أصحابها لأنها هي سبب كل الكوارث التي يعيشها الشعب الجزائري ) ، بهذه الحالة التي يعيشها حكام الجزائر كيف يمكن أن تقبل الجزائر حلا يقضي على تنفيذ استراتيجيتها ألا وهي تدمير كل المنطقة المغاربية من البُطنان في أقصى شرق ليبيا عبر مدينة طنجة المغربية ومنها إلى حدود نهر السنغال مع موريتانيا ؟؟
إذا لم يسحب المغرب مقترحه للحكم الذاتي فسيبقى سجين أطروحة المافيا الحاكمة في الجزائر ألا وهي إشغال المغرب والشعب الجزائري لتنفيذ مخططها التدميري للمنطقة المغاربية جمعاء ... إن المغرب أعطى للمافيا الحاكمة في الجزائر فرصة تمطيط هذا النزاع إلى ما لا نهاية ...
إذن يجب على المغرب أن يسحب اقتراح الحكم الذاتي قبيل اجتماع جينيف ويتشبث بإدماج أقاليمه الجنوبية وإلا فهو يساعد مافيا الكوكايين الحاكمة في الجزائر على تمطيط هذا النزاع الذي يعاني منه الشعب الجزائري قبل غيره لأن كل الأطراف راضية بوضعية السكون هذه إلا الشعب الجزائري الذي ينتظر من بين كثير من الأشياء التي ينتظرها هو تشطيب هؤلاء المرتزقة من تندوف لأنهم ثقب كبير جدا في خزينة الجزائر ....
إن الظرف الذي طرح فيه المغرب مقترح الحكم الذاتي عام 2007 وتبخيسه من طرف المافيا الحاكمة في الجزائر في حينه يشبه إلى حد بعيد الظرف الذي مَدَّ فيه ملك المغرب يده لحكام الجزائر يوم 06 نوفمبر 2018 في خطابه الودي للشعب الجزائري وليس لمافيا الكوكايين الحاكمة في الجزائر لأننا نعلم أن حكامنا لن يختاروا لنا كشعب إلا ما يزيدنا معاناة و قهرا وتخلفا ... وإلى ظهور مؤشر آخر على عناد حكام الجزائر للمزيد من تفقير وتجويع الشعب الجزائري وتخلفه الأبدي وهو الثابت الوحيد في اختياراتهم منذ 1962 ..
سمير كرم