تفضّل مولانا أميرُ المؤمنين جلالةُ الملك (محمد السادس) نصره الله، يوم الجمعة (02 نونبر 2018) بإطلاق الدروس الحديثية لإذاعة وقناة (محمد السادس)، وقد أوصى أميرُ المؤمنين بالعناية بالأحاديث الشريفة، وتوعية عامة الناس بشروط صحة الحديث، والتصدي لتحريف سيرة وأحاديث النبي الكريم، نظرا للجهل، والآثام المرتبطة بالأحاديث المكذوبة، التي تقوم بعض وسائل الإعلام بنشرها بين الناس، والهدف من وصايا أمير المؤمنين، هو اجتناب الكذب على رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وقد أكد وزيرُ الأوقاف والشؤون الإسلامية على وصايا أمير المؤمنين، بأنّ الهدف هو حماية الدين، وتنقية الأحاديث من كل الأحاديث المكذوبة، والمرفوضة، والضعيفة، لتجنُّب العبث بالأحاديث الشريفة، والاعتماد على الصحيح منها على ضوء القرآن الكريم، وترْك ما دون ذلك، ممّا تعتمده التياراتُ التي تقوم بنشر الأحاديث الموضوعة عبر وسائل الإعلام.. ومعلوم أنّ موقف أمير المؤمنين من الأحاديث المكذوبة على رسول الله صلّى الله عليه وسلم، هو موقفٌ لا يتخذه إلاّ الملوكُ العظام، والملوك العلماءُ فقط عبر التاريخ، وهذا ما سيذْكره المؤرّخون لجلالة الملك بمداد الفخر والاعتزاز، نظرا لهذا الموقف الجرّيء والشجاع..
نحن نعرف ما جنته هذه الأحاديث المكذوبة على رسول الله صلّى الله عليه وسلم وعلى الأمّة قديما وحديثا، وقد تنبّأَ النبيُّ الكريم به، إذ قال عليه الصلاة والسلام: [كثُرت عليّ الكذّابة، وسيكْثرون من بعدي].. فالفُرقُ الإرهابية التي مزّقتِ الأمّةَ، وقطّعتْ أوصالَها، وأثارتْ فيها الفتـنَ، وشاعتِ الضغائنُ والأحقادُ، كلُّها اعتمدتِ الأحاديث المكذوبة، أو الموضوعة.. فإذا كانتِ الفرقُ الإرهابية كـ(داعش) و(النصرة) قد اعتمدتِ القتلَ، والذّبحَ، والإحراقَ للناس أحياء، فلأنّها اعتمدتْ على أحاديث مكذوبة، تبيح ذلك، وتعتبره يدخل في باب (الجهاد).. وإذا كانت قد اعتمدت الزّنا والفسق كضرورة من ضرورات (الجهاد)، لأنها وظّفتْ، وأقنعت العوام بذلك فصدّقوها؛ وصار الزِّنا جهادًا يبيحه الدينُ، وصدق [العَسْقلاني] حين قال: [إذا هوَوْا شيئًا، صيّروه حديثًا]..
لقد أبلتْ شرطتُنا البلاءَ الحسن في مكافحة الإرهاب، وكان ذلك بشهادة الأوربّيين، وقد قاومَت الإرهابَ في الساحة، وفكّكت ميدانيا عدّة خلايا إرهابية في كافة ربوع المملكة؛ ولكنْ بهذا القرار الملكي، فتح جلالةُ الملك البابَ أمام العلماء لمكافحة الإرهاب في العقول وفي الأنفس، لأن الشرطة تكافح الإرهابَ ميدانيًا، لكن ليس من شأنها مكافحتُه في الأذهان، لأن الأمرَ يتعلّق بالإرهاب الفكري الذي تُعتمَدُ فيه الأفكارُ الباطلة؛ والفكر، كما يقول أحد الفلاسفة المعاصرين، لا يقاوَم إلاّ بالفكر، وليس بالشرطة؛ وهنا يأتي دورُ العلماء والفقهاء لمكافحة الإرهاب الذي يقُوم على الفكر، لمكافحته بالفكر؛ وبهذا القرار الملكي الجرّيء، تكون سياسة مكافحة الإرهاب قد اكتملتْ ميدانيًا وفكريًا، وتكون فرق العلماء قد انضمّت في هذا النشاط مع الفرق الأمنية العاملة في الميدان، كلٌّ من موقعه، وهنا تبرز حكمةُ مولانا أمير المؤمنين، دام له النصرُ والتمكين.. وبهذا يكون الإرهابُ قد حُوصِرَ أمنيًا وفكريًا ودينيا..
نحن نعلم ما اقترفتْه فرَق الإرهاب من قتلٍ للمسلمين، لأنّ هناك حديثًا يجيز قتْلَ حتى المسلمين، في حين إن النبي الكريم يمنع حتى قتْل غير المسلمين؛ ورأينا الإرهابيين المتستّرين وراء الدّين، يجيزون حتى قتْل الأطفال، والنساء، والنبي الكريم يحرّم ذلك صراحةً.. ولكنْ في حديث مكذوب، يأمر النبيُ الكريم فيه، حتى بقتْل الأطفال، [لأنّهم منهم]، يعني المشركين.. ورأينا [داعش] تحرق الناسَ وهم أحياء، لأنّ هناك روايات مكذوبة تقول إنّ النبي الكريم أحرق أناسًا، وكذلك [أبو بكر الصّديق]، وكذلك [الإمام عليّ]، وحاشا ذلك؛ ولكنْ هذه الرّوايات موجودةٌ في عدة مراجع تراثية، والإرهابيون يُقنِعون بها العوام، وذوي العقول الدنيا، فيصدّقونها، والإسلام منها براء، براءة الذئبِ من دم ابن يعقوب.. ونحن نعلم أنّ الإرهابيين يبيحون الزّنا، لأنّ ذلك موجود في المراجع: [جهاد المرأة، تمتّع الآخرين].. فمَن قتل سيّدنا [عمر] رضي الله عنه غيْر الفكر الإرهابي؟ ومَن قتل سيدنا [عثمان] غيْر رواج الأفكار الإرهابية بيْن الناس؟ ومَن قتل سيدنا [عليّا] كرّم الله وجهَه غيْر الأفكار التي فشتْ في الأمّة، وهذا شاعرُ الإرهاب [ابن حِطّان] يمدح قاتلَ [عليٍّ]:
يا ضربةً مِن تقيّ ما أراد بها * إلاّ ليبلُغَ مِن ذي العرشِ رِضوانَا
وإنّي لأذْكره حينًا، فأحسِبه * أوفى البَرِيَة عند الله ميزانَا..
فقاتِلُ الإمام وُصِفَ بالتقوى، وحاشا ذلك.. ومن قتل سيّدنا [الحُسيْن] غيْر الإرهاب؟ وهذا مثلا [الحجّاج] يصفه المؤرّخون صراحة: [أستاذ الإرهاب]: اُنظرْ: [تاريخ التّمدن الإسلامي] صفحة 370..