كان يا مكان في الأيام الأولى لبداية حكم بنكيران، قدم رئيس الحكومة برنامجه وهو يقف تحت سقف البرلمان، وقال إنه عقد العزم على محاربة الريع والاحتكار والهوان، وأن زمن الإنصاف والشفافية وتعزيز الهوية الوطنية هو زمان العدالة والتنمية، وزمان رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران.
وحين قدم حصيلة حكومته للمائة يوم الأولى من عملها، قال الرئيس المحب للتهريج إن حكومته لا تزال عاقدة للعزم، كي تحارب الريع والاحتكار، والمضاربة والفساد، وأن حكومته ستحصي التراخيص والامتيازات “فالأمر يتعلق بإرث متراكم..وسنعمل على تحقيق تكافؤ الفرص”.
نعم، لقد بدا بنكيران وهو يَتوعَّد الباذخين في الريع والعيش، كأنه يحمل على يمينه الآيات الكريمة من سورة مريم “فلا تعجل عليهم إنما نعد لهم عدا…..لقد أحصاهم وعدهم عدا”، وقد أعطى انطلاقته من الوزير “الرباح” -ولعشاق الفقه اللغوي فهذا اللقب هو من صيغ المبالغة لفعل ربح- بكشف أصحاب التراخيص ونشرها للعموم.
ولو قضى الله أمره الذي لا مرد له، وتوفي رئيس الحكومة بعد وعوده بقليل، لبكيناه بدموع الحسرة والتأسف، ولقلنا حينها إننا فقدنا بفقدانه الفارس المغوار الذي جاء ليحارب أوساخ الدنيا ويضرب على كل الأيادي الفاسدة.
ولكن الله أطال في عمر بنكيران إلى زمان سيبدو فيه أهون من الهوان، زمان تعايش فيه مع الفساد المفسدين، حتى أصبح حزبه مرتعا لهم، وأصبحوا يستيقظون وينامون في أفرشة نسجت من حرير الريع والاحتكار.
وقد اختار موقع “برلمان. كوم” أن يقدم لقرائه نموذجا صارخا لإثنين من أبرز وجوه قياديي حزب العدالة والتنمية، وأكثرها جدلا وسفسطة، وهما عبد العالي حامي الدين وآمنة ماء العينين.
فحين جاء بنكيران إلى كرسي رئاسة الحكومة، لم تكن أوداج عبد العالي حامي الدين قد انتفخت على ما هي عليه اليوم، ولم يكن حينها قد بدأ مسيرة الاحتيال والبحث عن الأموال، دون الحاجة إلى السؤال، هل هي حرام أم حلال.
أما اليوم، وقد زاد وزن جسمه بفضل النعم الي تناثرت حوله عبر سنوات حكم حزب العدالة والتنمية، حتى أصبح يرتع فيها كما ترتع الخرفان في الجنان، فها هو يتقاضى شهريا مبلغا يصل إلى 58.440 درهم، أي حوالي ستة ملايين سنتيم، من خلال مايحصل عليه من أجرته في مجلس المستشارين، تنضاف إليه تعويضاته كرئيس لجنة التعليم والشؤون الثقافية والاجتماعية بنفس المجلس، كما تنضاف إلى كل هذا تعويضات تصل إلى 15 ألف درهم؛ يحصل عليها من منصبه كنائب تاسع لرئيس جهة الرباط سلا القنيطرة .
وإذا كانت هذه التعويضات قد جاءت انطلاقا من تنافسه على الكراسي الانتخابية، فإن جيوبه تتسع لمزيد من الأموال تغذق عليه بها شركة “ميديا21” المالكة لجريدة “أخبار اليوم” لصاحبها السجين توفيق بوعشرين، مقابل السطور التي يخطها قلمه على هذه الجريدة، وتضاف إلى هذه الإكراميات السخية أموال أخرى تأتيه من جريدة “القدس العربي”، ومن المركز العربي للأبحاث والدراسات السياسية، الموجود مقره بالعاصمة القطرية.
وحين تبين لعبد العالي حامي الدين بأن الخير والنعم لهما أبواب كثيرة، يكفي أن يعمل الإنسان على ولوجها، فقد انخرط بدوره ضمن “مركز أسماه منتدى الكرامة من أجل حقوق الانسان”،الذي كان مصطفى الرميد نائبا لرئيسه قبل ان يصبح وزيرا للعدل، وها هو المركز يتلقى منحة تصل إلى 30 مليون سنتيم من وزارة العدل، كما تلقى دعما ماليا يفوق 200 ألف درهم من المندوبية الوزارية لحقوق الانسان.
ومن جهتها، تتلقى أمينة ماء العينين أجرة شهرية مماثلة لما يحصل عليه زميلها حامي الدين، تصل إلى ما يفوق 59 ألف درهم، وهي مجموع ما تحصل عليه مقابل منصبها البرلماني، تنضاف إليها تعويضات 7000 درهم، بصفتها النائبة السابعة لرئيس مجلس النواب، و15 ألف درهم بصفتها النائبة الثامنة لرئيس جهة سوس ماسة درعة.
كما أن ماء العينين تلقت تعويضات عن عضويتها في المجلس الأعلى للتعليم والتكوين والبحث العلمي، فاقت 60 ألف درهم إلى حدود شهر أكتوبر 2018.
والمضحك في قصة السيدة آمنة بنت “ماء العينين”، انه لما أعطي للبرلمانيين حق استعادة تكاليف تنقلاتهم، وتسلموا بطاقات لملء خزانات سياراتهم بالمحروقات حسب عدد الكيلومترات التي تبعدهم عن الرباط، فضلت السيدة المذكورة ان تصرح بإقامتها في مدينة تزنيت عوض مدينة تمارة، حيث كانت تعيش تحت سقف الزوجية قبل الطلاق. وكل ذلك ماهو الا تعبيرا عن الكرم والسخاء، ونكران الذات وحب الوطن.
فكل ما قطعته هذه السيدة من كيلومترات وهمية، هو مجرد تضحية من الحزب الفاضل من اجل دعم وترسيخ مفهوم الوهم في ممارسة السياسة الحزبية، لدى الاحزاب المغربية، بقيادة العدالة والتنمية.
أمام هذه المعطيات الصارخة التي يكشفها موقع “برلمان.كوم” وهو يعلم أن ما خفي أعظم، لا يسعنا سوى أن نقترح على عبد العالي حامي الدين؛المتابع في قضية مقتل الطالب آيت الجيد، وعلى العاشقة دوما والولهانة بالنشوة؛ أمينة ماء العينين، (نقترح عليهما) أن نخجل ونستحيي مكانهما، لكي يفعلا هما معا ما يشاءان حيثما خلا لهما الجو.