التباع الصديق
ظهر في السنوات الأخيرة ظاهرة قد يعتقد الكثيرون أنها صحية، لكن التعمق فيها يبين ما تحمله من مخاطر و سلبيات غير بادية للعيان، و تسيء إلى الوسط الذي نشأت فيه، خاصة و أن هذه السلوكيات الغير السوية ترتكب من لدن من يعتقد أنهم نخبة المجتمع وأمل الأمة في النهوض والتنمية و الاستقرار، وقد استفاد هؤلاء من جو الحرية و تشجيع الانخراط في المجتمع المدني، رغم أن شريحة واسعة من المنتسبين إلى هذه النخب لا تربطهم بالعمل الجمعوي إلا الخير و الإحسان، فغالبا ما يكون الهدف من الانخراط هو ملء ملف السيرة الذاتية ، كما أن البعض منهم يعتبر العمل الجمعوي وسيلة للاسترزاق المادي والمعنوي، لينال به مكاسب مادية مباشرة أو يتقرب به إلى المسؤولين ليفوز بالحظوة لديهم، وتنفتح أمامه الأبواب التي تنغلق في وجه عامة الناس، أضف إلى ذلك أن التنازع الملاحظ بين هذه النخب يغلب عليه تغليب المصلحة الشخصية على المصالح العليا للوطن و المواطن.
لقد تحولت بعض النخب من مدافعين عن قضايا ومصالح الوطن والمواطن، إلى خدوم مطيع يعمل لصالح جهات معينة وبأثمنة بخسة تجعل منه مجرد "بيدق" يخدم لحساب أجندة خاصة هدفها الأسمى السمسرة والاسترزاق لمن يدفع أكثر.
فبعض هذه النخب، لا يهمهم البحث عن مصالح المواطن بل يستخدمون شعار من يدفع أكثر، فهم يقتاتون على فتات النزاعات الشخصية والتهديدات الملغومة بلغة الاستفزاز، أو بالدخول في بعض النزاعات الضيقة بين طرفين من أجل تشويه سمعة أحدهم دون إعطائه الفرصة للدفاع عن نفسه، وهنا يلجأ إلى استخدام منطق تضارب المصالح واللجوء لسياسة مسح الأحذية والتبرك بها عند أسياده وهذا ما نجد فيه العديد من شبابنا اليوم الطموح الى التسلق والتملق من اجل نيل المكاسب ولو بطريقة غير شرعية على حساب الاخريين.
وفي إطار المقاربة التشاركية التي تنهجها الدولة لأجل تحقيق التنمية المستدامة، قامت الدولة بأشراك المجتمع المدني كآلية للتأطير والتوعية وترسيخ قيم محاربة الفساد وتخليق الحياة العامة عبر المراقبة والمشاركة في التدبير والتقييم والمحاسبة، فارتقت الجمعيات إلى مرتبة الناطق الرسمي للمواطن وأصبحت بذلك أداة فاعلة في إعادة الثقة للمجتمع في تدبير الشأن المحلي من خلال نهجها سياسة الوساطة بين الساكنة والإدارة وتفاعلها مع المواطن بالتعبير عن مشاعره وتحقيق مصالحه وخدمته.
لكن يبدو أن بعض من هذه الاخيرة انحرفت عن مسارها الحقيقي فتخلت عن الدور المنوط بها في تخليق الحياة العامة، والتي اعتبرت العمل الجمعوي الطريق السهل نحو الغنى السريع، وافقدوا العمل الجمعوي قيمته ومكانته من خلال جمعيات صورية وشكلية والتي لا وجود لها الا على الورق، وبالقياس الى الانشطة الوهمية التي تقدم كأنشطة لتعزيز ملف المنحة، حيث اصبح الفضاء حقلا للاسترزاق من خلال الرقم الخيالي للجمعيات ، وهي عبارة عن جمعيات خيالية وصورية خلقها اشخاص من اجل الاستفادة من الدعم المخصص للمجتمع المدني ، وكم من اشخاص لا علاقة لهم بالعمل الجمعوي لا من بعيد ولا من قريب استغلوا قرابتهم او صداقتهم بالرئيس او بأعضاء مجالس المنتخبة من اجل الفوز بدعم مالي لنشاط ما لا وجود له على ارض الواقع، ويتضح ذلك عندما تتفجر بين الفينة والأخرى في الجماعات المحلية الحضرية والقروية والمجالس الإقليمية والجهوية اتهامات متبادلة بين المستشارين والمواطنين حول عدم تمويل جمعيات وتمويل أخرى بعينها لكونها محسوبة على هذا العضو أو ذاك أو الرئيس أو أقاربه و زبنائه أو متقاسمي المنافع معه. وغالبا ما تستعمل هذه الأساليب للابتزاز ونيل نصيب من “البقرة الحلوب” بل في العديد من الاحيان تصبحت الجمعيات المحامي المدافع عن المنتخبين من داخل تلك المجالس مقابل منحة نهاية السنة.
وهكذا يتأسس الريع الجمعوي مادام الجميع ينال نصيبه، وحين يتم الإخلال بهذه القاعدة تتحرك آلة الابتزاز حتى لا يتوقف صبيب هذا الريع نحو الجيوب وخلق جمعيات صفراء ومنحها صفة المنفعة العامة وإغراقها بالمساعدات المالية، في مقابل التضييق على الأنشطة المنظمة من طرف الجمعيات الجادة.
ان العمل الجمعوي ليس انتفاع واسترزاق وانما هو نضال وتضحية ووفاء وتواصل مع المجتمع لمعرفة مشاكله وهمومه والتوسط له مع مختلف المؤسسات لإيجاد حلول لكل مشاكله، اما إذا كان العكس وأصبح مهنة لمن لا مهنة له فلا جدوى منه وسيبقى نقطة عار على جبين مدعيه.
لكن ما استغرب له هو تلك النخبة الشابة التي تتلون كتلون الحرباء في العديد من المواقف حيث نجدها في الامس القريب معارض الشرس الذي ينتقد للعديد من الاختلالات واليوم يدافع عن اشخاص كانوا سبب في تلك الاختلالات؛ وربما غذا يعاود انتقاده لأن حين كان ينتقده من اجل هدف لفت الأنظار اليه و مساومته، واليوم لم يعد الدفاع والتشبث بالمبادئ و الصالح العام بل أصبح الدفاع عن اشخاص من اجل الاستفادة منهم أينما رحلوا فهم معهم والأمثلة كثيرة على ذلك، بحيث ان بعض الاشخاص في مراحل من حياتهم كانوا يدافعون ضد فكرة ، واليوم من اجل تحقيق مصلحتهم فهم مع تلك الفكرة التي كانوا ينتقدوها بل اكثر من ذلك من اجل تحقيق مصالحهم تجدهم ينتقلون بين دكاكين كلما انتقل ولي نعمتهم.