عبدالله سعيد
لا أحد يمكنه أن يُبّخس حق الصحفي اسماعيل حمودي في المنافحة إعلاميا عن المتهم المدان توفيق بوعشرين. فبين “الرجلين” قواسم وتقاطعات مشتركة عديدة، فهما يحملان نفس الود القديم لحركة التوحيد والإصلاح، ويتزلفان قربى لحزب العدالة والتنمية، علاوة على أنهما اشتغلا معا في نفس المنبر الإعلامي لردح من الزمن، أحدهما كصحفي والثاني كمشغل ومدير للنشر.
ولئن كانت المنافحة والمناصرة مشروعة من حيث المبدأ، إلا أن الكثير عابوا على هذه الخرجة الأخيرة إخلافها للموعد، وتأخرها في التوقيت، وإسفافها في التعبير، وابتذالها في التحليل، لأنها جاءت بعدما قال القضاء كلمته ابتدائيا ومضى، وصارت الإدانة هي عنوان الحقيقة، في انتظار أن يصير الحكم حائزا لقوة الشيء المقضي به استئنافيا، أو تصديّا يكونه له وجهة نظر أخرى.
وهنا، تتساءل الضحايا ودفاعهن، ومعهم كل ذي قربى بسيدة سواء أكانت زوجة أو شقيقة أو كريمة أو حفيدة، كيف يمكن تسويغ جرائم الاغتصاب والمتاجرة بالبشر لمجرد أن الصحفي الزميل يعتقد ذلك واهما أو متوهما؟ وكيف يمكن تبرير جرائم الاستغلال والتحرش الجنسي بذريعة أن هناك غلوا في المقاربة الأمنية أو كما سماها صاحب الافتتاحية” القبضة الأمنية”؟
ألا يرى هذا الصحفي بأن المطالبة بتبرئة المدان توفيق بوعشرين من تلك الجرائم الكثيرة والمتعددة، لمجرد أنه صديق وزميل وصاحب افتتاحيات، هو إمعان في الإفلات من العقاب الذي ترفضه وتزدريه جميع المواثيق الدولية والشرائع السماوية؟ ألا يرى بأن دفاعه اللامشروط عن مدير النشر السابق هو استهتار بحقوق زميلات له في العمل، منهن من كانت تمرر له مكالماته عبر موزع الهاتف، ومن كانت تنسخ له مقالاته ؟ وبعبارة أخرى، ألا يعتبر دفاعه عن “الواطئ في المكتب وفي العدة” بأنه وساطة جديدة في الفجور والدعارة ودعوة مفتوحة لتحويل المكاتب إلى مواخير للممارسات فوق المكتبية؟.
فالذي ينبغي أن يدان، ليس هو “القبضة الأمنية”، وإنما هي قبضة “الجاهل المكابر” عندما يُمسك بقلم التعبير ويلتحف رداء الدفاع. والمدان هناك هو ذاك الذي يقبل على نفسه أن يشتغل في مكتب مفتوح بينما في المكتب المغلق المقابل تنكشف فيه عورات الزميلات وتستباح فيه أعراض الأجيرات المكلومات. والأنكى من كل هذا، هو أن هذا الزميل لم ينبس ببنت شفة عندما كانت الكنبة المعلومة تصدح بمآسيها، لكنه أستل رصاص قلمه ليدافع عن تلك المآسي ويشرعنها، وكأن لسان حاله يتطبع مع تلك الممارسات الجنسية البشعة ويقبل بها.
وإذا كان هناك من يعتبر بأن اعتقال توفيق بوعشرين هو نتاج ” أمننة القانون”، فإن الضحايا وذويهن وأقاربهن يعتبرونه ” انتصار للقانون وإعمال للأمن”، وإذا كان هناك من يرى بأن الحكم على المتهم بوعشرين تكريس للقبضة الأمنية، فإن هناك من له وجهة نظر أخرى ترى في اعتقال المتهم “توطيدا للردع الأمني وتوفيرا للأمن القضائي وقطعا مع ممارسات جنائية خطيرة”.
وبين “وهم القبضة الأمنية وحقيقة الردع الأمني والقطع مع الإفلات من العقاب”، تتساقط أفكار هلامية واستيهامات شخصية لأولئك الذين يقبلون على نفسهم التطبيع مع استباحة أجساد النساء، والتعايش مع جرائم الاغتصاب والتحرش الجنسي والاتجار في مآسي الأيامى في مكتب واحد، بل أكثر من ذلك يتجردون من نخوتهم ومبادئهم وينبرون مثل “كورال إعلامي” يطبل ويُزمر لجرائم الجنس فوق الكنبة، وكأنهم وسطاء في سوق النخاسة الجديد.
وهنا يثار تساؤل مشروع، ما الفرق بين من يغتصب النساء ويتحرش بهن وينفث مكبوتاته على أجسادهن النحيفة، وبين ذاك الذي يسكت عن هذه الجرائم ويتطبع معها بل ويدافع عن مقترفها؟ أعتقد أن لا فرق بينهما سوى في حمرة الخجل! التي قد تعلو وجنة الأول لكنها تغيب عن الثاني.