من انتقد زعامة أحمد الريسوني للاتحاد العالمي للعلماء المسلمين فهو حاقد. هكذا يخبرنا أحد "علماء" التوحيد والإصلاح. مع العلم أن صاحب القول هو أشد الناقمين على أبناء جلدته ممن يخالفونه المعتقد. ليس طبعا معتقد المغاربة كما دأبوا عليه منذ قرون، ولكن معتقد الوهابية السرورية، المنسوبة لزين العابدين سرور الذي مات أخيرا بالدوحة. ولو كان حيا لأصبح بديلا ليوسف القرضاوي ووضع الريسوني في بوابة السخرة.
ونحن ننتقد ذلك طلع علينا مقال لمحمد بولوز، من علماء الحركة السرورية، بمقال نشرته نشره موقع هسبريس يوم الأحد 11 نونبر 2018 يوم الأحد 11 نونبر 2018 تحت عنوان "زعامة الريسوني وبؤس صحافة النخاسة"، اعتبر فيه أن من ينتقدون هذا "التتويج" هم حاقدون أخرجوا ما في قلوبهم من غل. الله وحده أعلم بالنوايا. وصاحب القول أفصح أكثر من مرة عن نواياه تجاه عدد من المغاربة الذين يختلفون معه. وهو يختلف مع عامة المغاربة في معتقدهم. وقصة الدفاع عن الإمام مالك تدليس لا يغيب عن النظر الفاحص. إنهم يتحدثون عن مالك غير الذي يقلده المغاربة وعن الأشعري، الذي تاب عن معتقداته السابقة التي يؤمن بها المغاربة.
قال صاحب المقال "ألف المغاربة أن يتناسوا اختلافاتهم عندما يتعلق الأمر بالوحدة الترابية وعندما يقع لهم تتويج وتميز دولي، وخصوصا في المجالات المشرفة التي ليس حولها اختلاف يذكر، مثل فوز المغربية مريم أمجون بمسابقة تحدي القراءة العربي وفوز المغرب كذلك بجائزة الاختراعات بكوريا الجنوبية وفوزه أيضا بالمرتبة الأولى في مسابقة الحساب الذهني بتركيا، وتتويج أميمة دكان، الطالبة المتخصصة في إدارة الأعمال بجامعة "سوكميونغ" بدولة كوريا الجنوبية، بلقب أحسن مناظرة ديبلوماسية في برنامج الأمم المتحدة وتفوقها على أكثر من 180 منافسا لها يمثلون العديد من دول العالم، وحيازة طبيب مغربي لقب أفضل طبيب في نيويورك، ومثله التتويج الرياضي بين الفينة والأخرى.
وكان من المفروض أن يندرج تتويج الدكتور أحمد الريسوني رئيسا للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في هذا السياق، خصوصا وأنه حاز نسبة تفوق %93 من أصوات مئات العلماء ممن يعتبرون في ديننا ورثة الأنبياء والممثلين لعدد كبير من دول العالم والمجتمعين بإسطنبول وبالتصويت السري، ويحتفل المغاربة كلهم بالنبوغ والتميز المغربي الذي يؤكد أن المغرب إذا حل بساحته الإصلاح الحقيقي الذي يقطع مع الفساد والاستبداد سيحلق بعيدا في الآفاق".
الجماعة ألفت قياس إبليس "خلقته من طين وخلقتني من نار". ليس بولوز أول من استعمل قياس إبليس لكن سبقه عبد الإله بنكيران، مؤسس هذه الطائفة السرورية، عندما اتهم إبراهيم الخليل عليه السلام بالشك في وجود الله، غير مميز بين أنه نبي بالتكوين وبين أنه كان يفكر بصوت مرتفع ليقنع المخالفين. طبعا هو ينتمي لعقيدة تشكك في عصمة الأنبياء فلا حرج عليه بالمنطق الإلزامي.
قياس إبليس هنا هو المقارنة بين تتويج بعض المغاربة وتتويج الريسوني بالزعامة. تتويج مغاربة في مجالات الثقافة والقراءة والعلوم والرياضة والفنون والأغنية هو تتويج استحقاق. بينما تتويج الريسوني هو تتويج تمكين. لم يكن لفقيه الجماعة أن يكون رئيسا للاتحاد لو أن هذا التنظيم السري كان له رأي آخر. فقيه الإسلاميين تم وضعه والانتخاب مجرد تصديق على قرار تم اتخاذه سابقا.
كل من تم اختيارهم من المغاربة المذكورين صنعوا مهاراتهم بأنفسهم. أما الريسوني فلا يتوفر سوى على مهارة واحدة: تبييض وجه الإرهاب.
أحسن تعبير لوصول أحمد الريسوني إلى رئاسة الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين (الجناح العلمائي للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين) هو "التعيين". لقد حصل على حوالي 94 في المائة من الأصوات، مع العلم أنه يوجد من هو أفضل منه في "التاخوانجيت"، بل حتى في طلاقة اللسان والبيان، غير أن الرأي مستقر منذ مدة على الإسلامي المغربي.
ليس هذا الاختيار عبثيا ولكنه مدروس جدا، وتمت تهيئة الشخص المعني منذ زمن بعيد. لقد أظهر الريسوني قدرات خارقة على تقديم الخدمات الممكن أن تُطلب منه، وتمت صناعته بشكل جيد، وأطلق عليه الإعلام المرتبط براعي الربيع العربي الفقيه المقاصدي، حتى يتم ترميزه، وفندنا في حينه واستنادا إلى متخصصين في الميدان أنه ليس له في المقاصد شيء يذكر سوى تلويك كلام من سبقه.
إطلاق لقب كبير على شخص صغير كان الغرض منه وضع هذا الشخص في الصورة وتسليط الأضواء عليه، وابتلع باقي الإعلاميين الطعم، حتى أصبح لقب الفقيه المقاصدي قرينا بهذا الرجل، الذي لم نسمع له فتوى مقاصدية واحدة بل اضطرب حتى في تصنيف علماء المقاصد. واضطرابه في أبي إسحاق الشاطبي وفتواه الأصولية باعتماد الإجماع ظاهرة.
إذن اختياره خليفة ليوسف القرضاوي، مفتي الضلال والفتنة والقتل، يعني أن الرجل سار على الدرب، الذي رسموه له من قبل ولم يحد عنه، واجتهد في تقديم الخدمات المطلوبة، خصوصا في مرحلة الربيع العربي، الذي تحول إلى خريف قبل الآوان.
لكن الريسوني لم يفهم المعادلة جيدا ولم يحسب معاملاتها بدقة. فهو طبعا سيقدم خدمات جيدة للتنظيم الدولي لكن قد يضر بجماعته وحزبه، بعد أن تخلص الإخوان المشارقة من جمرة الإرهاب ورموها في يديه. وسيحمل الإخوان المغاربة وزر هذه الجمرة، التي ستتعبهم كثيرا وهم يترأسون الحكومة.
لا نعرف هل سيسير الريسوني في اللعبة إلى نهايتها؟ اللعبة اقتضت بداية أن يذهب "الأخ أحمد" إلى الشرق حتى ينال رمزية فقهائية معينة، وبعدها يشرع في بعث الرسائل من الشرق إلى المغرب، كأداة للضغط، لكن اليوم هو مطلوب منه تقديم خدمات لإسلاميي المشرق حتى لو أضر بحزبه وجماعته.
الريسوني أداة طيعة في خدمة الراعي بالوكالة للربيع العربي، وقد تشكل إقامته بمقر الاتحاد فرصة لمشغليه كي يتم توظيفه على الوجه المطلوب، خصوصا وأنه مستعد لصباغة الفتاوى المساندة للإرهابيين بلغة ظاهرها المقاصد وباطنها الدعوة للقتل. ولأنه أداة طيعة تم تطويعه جيدا كي يقود منظمة مشبوهة في وقت حرج.
لن يشعر الريسوني بالجمرة حتى تحرقه ويصبح غير صالح للمرحلة ويتم طرده شر طردة، حينها سينتفض باعتباره عالما ثوريا، لكن من قدم خدمات لا يحقه الانتفاضة عندما يُطرد.
واعتبر كاتب المقال أن الربط بين الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين والإرهاب، وبين الريسوني والإرهاب، كما ربط من قبل بين الشيخ يوسف القرضاوي والإرهاب، مجرد خرافة.
يوسف القرضاوي قال في خطبة الجمعة بالدوحة "على أمريكا أن تقف وقفة رجولة. وقفة لله. أسقطوا الأسد ولا تخافوا على إسرائيل". وأضاف "أمريكا أخيرًا نشكرها على كل حال وننتظر المزيد، منحت الثوار في سوريا أسلحة غير قتالية، نحن نريد من أمريكا أن تقف وقفة للرجولة وقفة لله وقفة للخير والحق". الثوار كما تبين هم مقاتلو داعش والنصرة والإخوان والحركات التكفيرية التي تحمل أسماء أخرى.
عندما انفجرت الأوضاع في ليبيا خرج القرضاوي من على منبر قناة الجزيرة قائلا "أفتي الضباط والجنود أن يقتلوا معمر القذافي من استطاع منهم أن يطلق رصاصة عليه ويريح البلاد والعباد فليفعل من استطاع أن يتقرب إلى الله بقتله فليفعل ودمه في رقبتي". وأفتى بجواز العمليات الانتحارية، ولم يتراجع إلا بعد تراجع الراعي العربي للإرهاب. إذا لم يكن هذا هو الإرهاب أو في معناه فلنبدأ النقاش من جديد عن العمليات الانتحارية.
وبعد تلويك كلام كثير أورد حديثا عن مشاركة القرضاوي والريسوني في الدروس الحسنية، التي أراد أن يجعل منها معيارا لإخلاص شخصيتين متورطتين في التحريض على الإرهاب. مفتي الإخوان والتنظيمات الإرهابي، الذي أفتى بقتل القذافي، كان ضيفا عنده قبل سنة من ذلك وكان من "الآكلين الشاربين"، وقال فيه كلاما رفعه رتبة القديسين. فمشاركتهما من باب الالتباس فقط. أما اليوم فالقصة واضحة. الشيخ وتلميذه من دعاة الإرهاب.
بعدها عرج على قصة يستغلها الإسلاميون كثيرا وتتعلق بقضية فلسطين. بعد "دخول وخروج في الكلام" قال "أبعد هذا وغيره يقال عن الشيخ إنه إرهابي والمطلوب الأول على لائحة الإرهاب، إلا أن يكون الإرهاب في عرف هؤلاء هو المقاومة الفلسطينية وما في حكمها أو نضال الشعوب ضد الفساد والاستبداد بالطرق المشروعة وبالسبل الحضارية السلمية، وإذا كان الأمر كذلك فمعظم العلماء الربانيين والاتحاد ونحن معهم إرهابيون...". مضحك هذا الكلام والقرضاوي بعظمة لسانه يدعو أمريكا لدعم الإرهابيين بسوريا الذين لن يكونوا أبدا أعداء لإسرائيل. عن أي فلسطين يتحدث ابن الحركة السرورية التي باعت القضية مقابل إقامات خمسة نجوم.
الدفاع عن زعامة الريسوني لاتحاد أصبح موسوما بدار فتوى الإرهاب والقتل هو مجرد نفخ في رماد رجل صنعه الإعلام، دون أن يمتلك مقومات الوجود المعرفي الحقيقي، ولا قيمة لتولي التلميذ لمكان الشيخ إذا كان الشيخ ساقطا وسافلا في الفتوى حد الإسفاف.