المغرب في المقدمة !
ومرة أخرى لابد من قولها ولا مفر من التوقف عندها: لم يكن الاستقبال عاديا، ولم يكن الاحتفاء بالمغرب وبملك المغرب وبولي عهد المغرب من النوع الذي قد تَعْبُرُ عنده كاميرات العالم أجمع ولا تتوقف، ولم يخطئ المغاربة أيضا ذلك الأحد التقاط مقدار الاهتمام والتفاعل الجميل مع الصور القادمة من احتفال باريس والكرة الأرضية كلها بمرور مائة عام على سلام مابعد الحرب العالمية الأولى
في الصف الأول لقادة العالم، وقرب ترامب وبوتين وميركل وطبعا ماكرون المضيف، وبقية الحاضرين من كبار هذا الكون لهذا الحدث السياسي والإنسان الكبير، كان محمد السادس ومولاي الحسن خير ممثلين للمغرب ولمكانة المغرب في محفل مثل هذا
ولمن لم يستطع قرادة المدلول الفعلي للصور، وللمكانة وللاهتمام لا مفر من التذكير بأن للمغرب مع الحرب العالمية الأولى قصة لابد من عدم نسيانها أبدا، إذ سالت دماء مغربية كثيرة لأجل سلام الأرض. مثلما سالت دماء مغربية أخرى في عديد المناسبات التي كانت الحضارة تطلب مقاتلين شجعانا لأجل إعادة بعض من حق إلى أصحابه، وإن كانت الحرب في نهاية المطاف أمرا سيئا وغير قابل للدفاع عنه، لكنها الضرورة التي لا هروب منها أبدا
هذا المغرب الحاضر دوما وأبدا في كتابة التاريخ الإنساني، والذي جسد خلال الحرب الأخرى وخلال لحظة التنكيل باليهود في أوربا درسا ولا أروع، والخامس يفتح المغرب وأحضان المغرب للفارين بديانتهم العبرانية وبانتمائهم الأول من بطش النازية العنصري المقيت، تماما مثلما فتح المغرب في زمن سابق أبواب فاس وتطوان وبقية المدن للأندلسيين الهاربين من التنكيل بهم بعد الخروج من التي تسمى اليوم إسبانيا، هو المغرب الذي يعني له الوجود في مقدمة الأحداث العالمية الشيء الكثير.
نعم لسنا دولة عظمى، نعرف ذلك ولن نكذب على أنفسنا. نعم لا نمتلك مقدرات مادية هائلة، ولا نمتلك أشياء تفوق العادي المتوفر لدول من قامتنا وحجمنا، لكن - وهذه لابأس من المفاخرة بها لأنها تعني صميم انتمائنا الأول لهذا المكان ولهذا البراح الجغرافي والتاريخي والحضاري الكبير المسمى المغرب - نمتلك عقلا متقدا ومتفتحا يجعلنا نعرف متى نكون مع الكبار ومتى نصطف قربهم، ومتى نكتب معهم سطرا من أسطرنا المغربية في الكتاب الكبير المسمى مجلد الإنسانية أو التاريخ.
لذلك احتفل المغاربة أيما احتفال بصور ملكهم وولي عهدهم وهما في مقدمة الصفوف مع كبار قادة العالم، ولذلك شعر كل واحد منا وكل واحدة منا بفخر كبير، تجسيدا لذلك الشعور صعب الوصف، غير القابل للتأطير المسمى الانتماء أو الانتساب أو الإيمان بأننا من هاته الأرض وأننا لا نسكنها فقط ولا نعيش فيها فقط، بل هي تسكننا أولا وقبل كل شيء وهي تعيش فينا آخرا وبعد كل الأشياء
الآخرون، أولئك الذين أرادوا أن يقنعوا ذلك الأحد ألا شيء اهتز فيهم، وأن نباهتهم المبالغ فيها وذكاءهم الواصل حدود العبقرية يجعلهم يترفعون عن هاته اللحظات العاطفية الصادقة، ويجعلهم يُعْمِلُون عقلا كثيرا حد تعطيل كل الحواس الذكية فعلا، لا يعنون لنا شيئا.
هم موجودون معنا بالضرورة، بالقوة، بالنظر إلى أن الحياة هي هكذا: فيها من كل فن طرف، ولا مفر من تقبلهم ولا مفر من إقناعهم يوما بعد الآخر أن الحكاية هي أكبر مما يتصورون، وأنها ليست "تعياشت" ولا تملقا ولا نفاقا ولا تطبيلا ولا رغبة في الصباغة أو "التجيار" ولا أي شيء من هذا الهراء، الذي يملؤون به الأنترنيت ليل نهار، والذي يفرغون به عقولهم في الوقت ذاته دون أدنى عناء.
الحكاية ملخصها الأكبر وتقديمها الأول وختامها اللاينتهي يسمى المغرب
وقديما قيل لقد أسمعت لو ناديت حيا، والمغاربة كانوا دوما وأبدا أحياء لا تموت فيهم عديد الأشياء الطيبة، لذلك لا كلام إلا مع الأحياء.
الموتى لهم الرحمة…إن كانوا يستحقونها طبعا، ولهم ضدها -أي اللعنات- إن كانوا لايستحقون إلا اللعن، وعاش المغرب اليوم وغدا وإلى آخر الأيام…
رجعوا التلامذة !
إضراب التلاميذ احتجاجا على الساعة الصيفية أوصل الرسالة إلى الحكومة منذ اليوم الأول لتطبيق التوقيت الجديد في المدارس، ماجعل وزارة التربية والتعليم تقرر ترك ملادمة توقيت الدراسة للأكاديميات، وهو ما أنتج في الختام توقيتا قابلا للتطبيق دون أدنى مزايدات لا محل لها من الإعراب
لذلك يبدو الاستمرار في تهييج الصغار لأجل النزول إلى الشارع وعدم العودة إلى حجرات الدراسة تضييعا لهم ومساسا بمسارهم الدراسي هم الذين يعانون أصلا من كثرة العطل ومن عدم انطلاق الدراسة في وقتها المحدد في الأيام العادية، وأيضا انتهائها قبل توقيتها المحدد في عطلة الصيف.
مستقبل صغارنا ومستقبل تعليمنا - خصوصا العمومي مادا الخواص يمارسون دراستهم دون إشكال - هو أمر يعنينا جميعا. وإذا كان البعض يرى في الحكاية فقط إنزالا للصغار إلى الشارع، وإحراجا لهاته الحكومة التي لا يحبها لأنها لن تستطيع التعامل بعنف مع التلاميذ، فإن هذا الأمر يعني وصول المعارضة السياسية إلى الباب المسدود، وعدم قدرتها على الابتكار، ولجوءها إلى اللعب بأكثرنا ضعفا لإيصال رسالتها، بعد أن عجزت عن إيصال هاته الرسالة بالطرق السياسية السوية
القابعون اليوم على قارعة السياسة في البلد، الذين لايمارسونها ولكن في الوقت ذاته لا يريدون الافتراق عنها، والمكتفون بتأليب كل من يرونه صالحا لإيقاد نارهم المرجوة وغير المقدسة هم أناس يرتكبون جرما حقيقيا في حق هذا الوطن
لا المصلحة العامة تهمهم، ولا مصير ومسار هؤلاء التلاميذ يعني لهم شيئا.
هم فقط يريدون مزيدا من الرسائل التي تؤكد الحاجة إليهم، مع أن الرسالة التي وصلتنا منذ هلوا علينا بوجوههم، وحتى الآن هي أن البلد يكون بخير دونهم، ويمكنه أن يحل إشكالاته بالتعامل الجدي معها ودون انتظار الشكر من المزايدين والتفهم ممن ألفوا واحترفوا المزايدات
نعم للاستماع لمطالب التللاميذ حين تكون عاقلة ومعقولة ومشروعة. نعم لتطبيق القانون حين يتطلب الأمر ذلك، فمكان صغارنا هو في حجرات الدرس وليس في الشوارع اليوم كله، وهذا الأمر يسري علينا في الساعة القديمة وفي الساعة الجديدة، وفي كل الساعات أيها السادة..