إن فشل التظيمات السياسية المُؤَدْلِجَة للإسلام في ممارسة السلطة بنفس ديمقراطي تنموي حقيقي ، هو نابع من حقيقة ملموسة تتلخص في عقيدتهم السياسوية الكهنوتية الجامدة الساعية للتمكين التام بإدعاء الطهرانية العقائدية و التمترس خلف ديماغوجية المظلومية ، عقيدة سياسية نشأت و ترعرعت على تكفير الديمقراطية كمنظومة قِيَم أولاً ، ثم سارعت إلى الإلتفاف على الشق الانتخابي للعملية الديمقراطية قصد تأمين وصولها إلى المشاركة في تسيير أمور الدولة ، قبل مباشرة الإنقلاب من جديد على الإرادة الشعبية و نظامها السياسي الوطني ، وإعلان رغبتهم في الاستفراد المُفْتَرِس لباقي المكونات السياسية بإسم التفويض الشعبي المزعوم وخدمة لأهداف و غايات عقيدتهم الدينية - السياسية الخاطئة و ليس بغرض إحقاق الديمقراطية التشاركية .
و حيث أن مُرْتَزِقَة الإسلام السياسي يُدركون تَمامَ الإدراك أن مرجِعِيَّتهم الضَّالة لا يمكن لها السير في اتجاه يُعاكس مفاهيم كونية باتت تشكل أساسا لا محيد عنه لممارسة السلطة و تدبير الشأن العام.
فإن هذه التنظيمات المؤدلجة للإسلام تستعين ببعض من أشباه الجامعيين لِلَّعِب فوق حبل مفاهيم علمية دستورية ، كالديمقراطية و الملكية البرلمانية و المواطنة ، مع تغيير أجندتها السياسية بالتلويح المُطالِب بمراجعة الدستور و إحترام حقوق الإنسان، و ذلك في سياق المُراوَغَة السياسوية التي باتَ يُتقنُ فَنَّهَا دهاقنة التنظيمات المؤدلجة للإسلام عبر إعادة تكييف تَقِيَّتِهَا السياسية الخَدَّاعَة ، مع مُتَطلَّبات المرحلة الراهنة و ظروفها الإقليمية و الدولية.
إن بدايات " التأصيل الأكاديمي" لمرحلة إحتواء الدستور – قبل الإنقلاب عليه - نجدها مُوَثَّقَة ضِمْن مخطوطات تحمل عنوان " تجربة الإصلاح الدستوري بالمغرب " الذي صدر عن منتدى العلاقات العربية و الدولية بقطر ، وأشرف على تحريره الأمين العام لحزب العدالة و التنمية الفقيه سعد الدين العثماني رئيس الحكومة الحالي ، و شارك في صياغة مُحتوياته كل من : عبد العالي حامي الدين ، حسن طارق ، أحمد البوز ، عبد الرحيم المصلوحي ، محمد السنوسي و رشيد المدور.
و لأن الأغلبية الساحقة من المجتمع المغربي لا تؤمن بالعقيدة الدينية غير السليمة لتنظيم العدالة و التنمية فإن إمكانية فرضه لمشروعه التمكيني تظل جد عسيرة إلاَّ إذا بلغت مرحلة التحكم السياسي التام في المطالبة بالمراجعة الدستورية لشكل و طبيعة النظام السياسي الوطني. كما أن المانع الشعبي لِخُطَّة التمكين الفاشلة يتجسد في حصيلة 7 سنوات من التدبير العشوائي لحزب العدالة و التنمية الذي جعل الشعب المغربي يفقد الثقة في جدية و مصداقية برنامجهم التنموي و حقيقة إمتلاكهم للبدائل و الحلول القادرة على معالجة الأزمة التي تقض مضاجع المواطنين و المواطنات .
و على طول تجربتهم الممتدة إلى ولايتين حُكومِيَّتين، أتبث مرتزقة الإسلام السياسي عدم نجاحهم في معالجة الإختلالات التنموية و الفوارق المجالية و الاجتماعية . ثم جاءت مناورتهم الجديدة بتحريف النقاش عن ربط مسؤوليتهم السياسية بواجب المحاسبة الدستورية الشعبية ، و تَمَّ اللجوء إلى خطة قديمة – جديدة ترتكز بالأساس على تمويه العقل الشعبي و الإيحاء المتزايد على أن مقام المؤسسة الملكية داخل التعاقد الدستوري هو مكمن الخلل ، مع العمل على محاولة الترويج لواقع دستوري جديد ينسجم مع خطتهم الحقيقية للتمكين المنشود و الفتح الرباني " الموعود " .
هكذا - هي خطة الجماعات المؤدلجة للدين تلبس لبوس التَّقِيَّة تحت قناع الإصلاح الدستوري و رفع شعار ملكية ديمقراطية قائمة على إمارة المؤمنين. و يكفينا الربط -من جديد- بين مقال المستشار البرلماني عبد العالي حامي الدين و بين تصريح سابق للوزير الحالي محمد الخلفي.
حيث نجد أننا أمام مخطط حزبي واحد ذي هدف سياسي واحد يتلخص فيما أوْضَحَهُ منذ سنوات مصطفى الخلفي الناطق الحالي بإسم حكومة سعد الدين العثماني حول مطلب إعادة توزيع للسلط - على صعيد مركزي و ممركز دون أفق جهوي- ، هذه الرغبة السياسية الواضحة المفهوم التي يطمح لها التنظيم المعلوم ترتكز على جعل الاختصاصات التنفيذية من مسؤولية مجلس الحكومة وبالتالي تحويل كل المسؤوليات التنفيذية التي لدى المجلس الوزاري إلى مجلس الحكومة مما يقتضي إلغاء المجلس الوزاري، وهذا الأمر سيؤدي إلى أن تصبح السلطة التنفيذية مجسدة في مجلس الحكومة، وسيؤدي ذلك – وفق تصريح الوزير الخلفي - إلى إنهاء كل إزدواجية على مستوى البرنامج، كما سيقضي على إزدواجية التعيين وسينهي إزدواجية الولاء السياسي على المستوى التنفيذي.
و بعد فشل رموز عملية مغربة النموذج الإخواني في أسلوب الإحتواء و أسلوب التعايش و أسلوب التحييد، ها نحن نراهم يتجندون لمرحلة الأسلوب الأخير في المواجهة و هو أسلوب التَّفْتِيت الذي يهدف إلى " فَرْمَلَة" فاعلية التأويل الديمقراطي للدستور في كبح جماح حزب العدالة و التنمية من داخل المؤسسات.
و لأن مشروع الجماعات المؤدلجة للدِّين لا يستطيع تقديم الجواب الكافي الشافي عن السؤال الشعبي حول البديل الإقتصادي . فإن هذه التنظيمات الحركية التي تستمر في الهروب إلى السماء ، ستستمر كذلك في العمل الضَّال قصد إشاعة " الفكر المقاصدي التوليتاري " ذي الهدف الحزبي الواحد و الغاية السياسية الوحيدة التي يؤمن بها مرتزقة "الإسلام السياسي" سواء داخل أو خارج المؤسسات الدستورية ..
إنَّنا فعلا نعيش زمن تحريف مفهوم التأويل الديمقراطي عن مواضِعِه الدستورية، من خلال التكتيكات السياسوية الجديدة التي دشَّنَتْها قيادات حزب العدالة و التنمية بعد إنكشاف إنجازات برنامج العبث الحكومي " البَاسِل" و إنفضاح أوهام البرنامج الإنتخابي الفاشل ، و الذي بِمُوجَبِه تصدَّر الذراع السياسي لجماعة التوحيد و الإصلاح نتائج إقتراع السابع من أكتوبر 2016.
فَتَبًّا لكم يا تجار الوهم أجمعين ؛ بإسم من و بإسم ماذا و بإسم الله أنتم تتحدثون ؟!
عبد المجيد مومر الزيراوي
رئيس الإختيار الحداثي الشعبي