كان جلالة الملك محمد السادس واضحا، أثناء خطاب المسيرة الخضراء، واضحا وجريئا في تحديد الموقف من الجارة الجزائر، وهو موقف تاريخي يضع الدولة الشقيقة في المعبر الضيق إن لم تجب عن اقتراحات المغرب. فجلالة الملك يحدد عنوانا لهذا التوجه مبنيا على أن مصالح شعوب المغرب العربي تقتضي الوحدة والتكامل، لأن الخلافات والانشقاق لا يستفيد منه إلا الأغراب عن المنطقة.
جلالة الملك يكشف عن مطلب تاريخي رفعه منذ تولى العرش وما زال يرفعه ويتعلق به ويناشد الطرف الآخر بالاستجابة إليه ويخص فتح الحدود بين المغرب والجزائر. وهي عملية تتضرر منها شعوب المنطقة، باعتبار أن المغرب العربي له روابط تاريخية يمكن استثمارها كمؤهلات اقتصادية.
وكعادة جلالة الملك، الذي طبع كل حركاته بروح المسؤولية والتحدي، لم يترك شعار فتح الحدود مجرد عنوان فقط، ولكن اقترح على الجارة حوارا مباشرا دون وساطة من أحد، لأنه لا يعقل أن يكون الحوار بين المغاربيين يتم عن طريق الأجانب، بينما كان الأصل أن يتم مباشرة بين الأشقاء، الذين تجمعهم كثير من القضايا.
وحتى لا يكون الحوار مجرد شعار يتم رفعه لإحراج الخصوم. ولكنه حقيقة واقعية حيث اقترح جلالة الملك آلية للحوار والتشاور قصد مناقشة كافة القضايا الثنائية والمشتركة والخلافات، والبحث عن حلول لكل ما هو عالق بين البلدين دون شروط.
ومن تكامل الخطاب الملكي أنه كان موزعا على تيمات، واحدة تؤدي إلى الأخرى، فبعد الانتهاء مباشرة من الحديث عن الحوار مع الجزائر، تطرق جلالة الملك إلى قضية الصحراء المغربية، وهنا يحسم الأمر أي أننا قادرون على الحوار ومستعدون إليه لكن ليس على شبر واحد من ترابنا الوطني، وأنه لا حوار حول هذا الموضوع، وأن مائدة بالنسبة لقضية الصحراء فهي على أرضية الحكم الذاتي.
لقد حسم جلالته الأمر إذن. فقد أقر مواصلة الدفاع عن وحدتنا الترابية، بنفس الوضوح والطموح. فالوضوح هو التعامل مع مختلف التجاوزات، التي يمكن أن تصدر عن الخصوم، والتصدي لها بالحزم والقوة، أو الانحراف بمسار التسوية عن المرجعيات المحددة. والطموح هو التعاون الصادق مع الأمين العام للأمم المتحدة ودعم مجهودات مبعوثه الشخصي، من أجل مواصلة مسار التسوية السياسية.
وختم جلالته الأمر عندما قال "المسيرة الخضراء تُجسد إيمان الشعب المغربي بحقه المشروع في استكمال الوحدة الترابية للمملكة".
يعني كل شيء مترابط وعميق. فالحوار مع الشقيقة الجزائر ضرورة في الجغرافية السياسية، وهي رفع للتحديات الكبرى، التي تتهدد المنطقة والعالم، وخصوصا توسع وانتشار الحركات الإرهابية بمنطقة الساحل والصحراء، وتنامي ظاهرة الهجرة، ولا يمكن الخروج من هذا المأزق إلا بتعاون دولي وخصوصا التعاون مع الجيران وبينهم.
إذن المشروع الملكي مبني على الوضوح. نعم للحوار مع الجزائر وبدون شروط وفتح الحدود، ولا للتفريط في أي شبر من أرضنا.