بقلم: خيرالله خيرالله
بدأت السنة 2011 بقرار الرئيس التونسي زين العابدين القاضي بالتنازل عن السلطة واللجوء الى المملكة العربية السعودية. اخذت الاحداث منحى اكثر جدية مع تنحي الرئيس حسني مبارك ثم مثوله امام المحكمة مع نجليه علاء وجمال وعدد من كبار المسؤولين في عهده. جاء بعد ذلك دور العقيد معمّر القذّافي و"جماهيريته". كانت النهاية حيث كان مفترضا ان تكون البداية، اي من الثورة الشعبية التي تشهدها سوريا منذ عشرة اشهر والتي لا يمكن الا ان تنتهي باطاحة النظام الذي ورثه الرئيس بشّار الاسد عن والده والذي تبيّن انه نظام غبر قابل للاصلاح بايّ شكل. اما اليمن فيظلّ، على الرغم من كل ما يقال، استثناء وذلك في ضوء التعقيدات الخاصة بالبلد. هذا عائد الى تركيبته التي لا يمكن تشبيهها باي تركيبة اخرى من جهة والتوصل الى صيغة قبل بها الرئيس علي عبدالله صالح تضمن الانتقال السلمي للسلطة من جهة اخرى.
ما الذي يجمع بين زين العابدين بن علي وحسني مبارك ومعمّر القذّافي وربّما بشّار الاسد؟ يجمع بين الاربعة ان الدول التي كانوا يحكمونها، او لا يزالوا يحكمونها، كما الحال في سوريا، صارت في مهبّ الريح.
في الواقع لكلّ دولة عربية ظروفها. لكنّ لا شيء يمنع من اجراء المقارنة. واجه الرئيس التونسي الثورة الشعبية على طريقته. تونس بلد مسالم والمجتمع فيها مجتمع مسالم ولا وجود لطغيان للمؤسسة العسكرية. لذلك، انتهى النظام باقلّ مقدار ممكن من الخسائر. كان زين العابدين بن علي يعتمد على تخويف الناس لا اكثر ولا اقلّ. عندما كسر التونسيون حاجز الخوف، لم يجد ما يفعله سوى الرحيل ترافقه زوجته وكلّ ما خفّ وزنه وزاد سعره.
اما حسني مبارك، اسير التوريث، فقد رضخ في النهاية للمؤسسة العسكرية التي كانت اصلا ضد التوريث. تبيّن مرّة اخرى ان هناك نظاما قائما في مصر منذ العام 1952، تاريخ اطاحة الملكية، وان العمود الفقري لهذا النظام هو المؤسسة العسكرية. لا تزال المؤسسة العسكرية تقاوم الى اليوم فكرة تسليم السلطة وتعتبر نفسها الضمانة الوحيدة لاستمرار الدولة المصرية.
لم يكن مستغربا ان يواجه معمّر القذافي شعبه بالطريقة التي واجهه بها. كان يعتقد انه قضي على ليبيا والليبيين واقام نظاما مرتبطا بشخصه مكّنه من استعباد الشعب. لم يعرف يوما ان ليبيا لا تزال حيّة ترزق وان الليبيين ليسوا واقعين في عشقه وان جماهيريته كانت مجرد نكتة.
في سوريا، يشبه الوضع الى حدّ كبير ما شهدته ليبيا. هناك حاكم اعتقد انه روّض الشعب. والحقيقة ان عملية الترويض هذه عمرها نصف قرن تقريبا، اي منذ جاء البعث الى السلطة في العام 1963. تبيّن ان الرئيس السوري لا يعرف شيئا عن شعبه وانه ليس صحيحا ان شعارات من نوع "المقاومة" و"الممانعة" يمكن ان تنطلي على احد. هناك شعب يريد ان يعيش. هناك شعب سوري متعلّق بثقافة الحياة. هناك شعب يرفض شعارات من نوع "الامين حافظ الاسد... قائدنا الى الابد". ليس معروفا الى اللحظة ما الذي قدّمه حافظ الاسد لسوريا. المشكلة ان نجله الدكتور بشّار لم يمتلك القدرة على استيعاب ان العالم تغيّر وانه كان عليه، قبل تولي السلطة، النزول الى الشارع والتعرّف الى السوريين والى حاجاتهم الحقيقية. كذلك، كان عليه الذهاب باكرا الى لبنان والاستماع الى حقيقة مشاعر اللبنانيين ورأيهم ببممارسات النظام السوري بدل الاصرار على التعاطي مع اسوأ نوع من انواع اللبنانيين.
ما يجمع بين زين العابدين بن علي وحسني مبارك ومعمّر القذّافي وبشّار الاسد هو وجود اب روحي للاربعة اسمه محمد سياد بري. قبل عشرين عاما، ترك سياد بري السلطة في الصومال ولجأ الى المنطقة التي تسيطر عليها قبيلته. منذ عشرين عاما لم يعد هناك مكان سوى للفوضى في الصومال. منذ غادر سياد بري مقديشو انتهت الصومال.
لا شكّ ان الامل ليس مفقودا في مستقبل تونس. لكنّ ما شهدناه الى الآن لايبشّر بالخير كثيرا، الاّ اذا تبيّن ان السيد راشد الغنّوشي، الزعيم الفعلي لتونس الجديدة، قادر على البناء على ايجابيات عهدي بورقيبة وبن علي من دون عقد وتطوير التجربتين بدل العمل على القضاء على المجتمع المدني والقوانين العصرية التي كان معمولا بها، خصوصا في ما يتعلق بالمرأة والتعليم.
الامل شبه مفقود في مصر، اقلّه في المستقبل المنظور. ليس ما يشير الى ان المؤسسة العسكرية قادرة على استعادة المبادرة وليس ما يشير الى ان الاسلاميين يمتلكون مشروعا لمصر باستثناء الشعارات. اما ليبيا، فالى ان تنتهي من الميليشيات المسلحة، ستكون هناك حاجة الى سنوات طويلة قبل ان يظهر من هو قادر على العمل فعلا من اجل بناء دولة عصرية.
في سوريا، ليس ما يشير الى رغبة في انتهاج خط مختلف عن ذلك الذي اعتمده القذّافي. الامل ضئيل باستيعاب بشّار الاسد ان افضل ما يمكن ان يفعله للسوريين هو تأمين قيام مرحلة انتقالية ذات هدف واضح يتمثل في قيام نظام جديد يعيد سوريا الى السوريين.
المؤسف ان سياد بري كان ايضا المثل الاعلى لصدّام حسين. من يتمعن في ما يدور على ارض العراق لا يرى اي امل ببقاء البلد موحدا. من يضمن مستقبل تونس ومصر وليبيا وسوريا والعراق؟ الجواب لا احد يستطيع ذلك. كان الخوف قبل فترة قصيرة من "صوملة" اليمن. الخوف الآن من "صوملة" لا تستثني سوى عدد قليل من الدول العربية عرفت باكرا ان العالم تغيّر وان لا مفرّ من اصلاحات حقيقية في العمق بعيدا عن كل نوع من الاوهام على رأسها وهم الدور الاقليمي!
خيرالله خيرالله