قرار مجلس الأمن، الصادر بتاريخ 31 أكتوبر 2018 حول ملف الصحراء عدد 2440، جاء بعد ستة أشهر من قرار أبريل الماضي، حيث كان تقرر تمديد مهمة بعثة المينورسو لستة أشهر انتهت في أكتوبر الماضي، وتقرر معه أيضا تمديد مهمة البعثة ستة أشهر إضافية تنتهي في أبريل 2019.
وبين التاريخين، ستنطلق العملية السياسية بروح جديدة وبحلول واقعية قابلة للتطبيق، كما نص على ذلك القرار نفسه. وأمام مختلف مضامينه، فالأمر لا يتعلق بقرار عادي أو كلاسيكي؛ بل يعكس تحولا نوعيا في مسار الملف على الصعيد الأممي، وفي تفاعل مختلف الدول معه، خاصة أعضاء مجلس الأمن الدائمين الخمسة. بل يتعلق ببداية إعلان نهاية جبهة البوليساريو سياسيا وتنظيميا، وحتى من موقعها التفاوضي ودورها في العملية، التي ستنطلق في دجنبر المقبل، وقد تصل إلى انطلاق مفاوضات جدية على قاعدة مبادرة الحكم الذاتي.
فهل عندما نقول إن القرار إعلان عن إفلاس تنظيم الجبهة، نكون فقط نمارس بروباكَندا إعلامية ومزايدة سياسية لا أقل ولا أكثر، أم الأمر يتعلق فعلا بموقف مستوحي من القرار نفسه؟
لنعد إلى القرار ونلاحظ ما يلي:
حاز القرار موافقة الأغلبية المطلقة لأعضاء مجلس الأمن الخمسة عشر، باستثناء امتناع روسيا وبوليفيا وإثيوبيا. وإذا كان موقف إثيوبيا غير مؤثر دوليا، ومرتبطا بالتحولات التي تعيشها إفريقيا، ويمكن حلها مستقبلا معها بشكل مباشر، فإن موقف روسيا كان واضحا، وامتناعها، كما عبرت هي نفسها عن ذلك أثناء المناقشة، هو "احتجاج" على احتكار إعداد مسودة القرار من طرف الولايات المتحدة، وأنها تريد أن يكون لها دور أكبر في الملف، ما يعني أن موقفها هو إجرائي وليس سياسيا، خاصة أنها لم تعلن تحفظها على العملية السياسية، التي أُعلن عن انطلاقها، وهو نوع من الحياد الإيجابي أعلنت عنه روسيا، وكان بإمكانها التصويت بالاعتراض على القرار أو استعمال حق الفيتو، لكنها لم تتجه نحو اعتراض المسلسل السياسي بالشكل، الذي ضمنه القرار. وهذا يُفقد الجزائر والبوليساريو ورقة ضغط سياسي، كان يمكن استعمالها لتحسين موقعيهما في القرار...
أعلن القرار عن انطلاق العملية السياسية بحضور دول الجوار، وأولها الجزائر، كما نص على إقليمية النزاع، ما يؤكد وعي الأمم المتحدة بأن النزاع طرفاه الأساسيان ليس المغرب والبوليساريو، بل بين المغرب ودول الجوار، وعلى رأسها الجزائر، التي نص القرار على حضورها كطرف أساسي ورئيسي في المائدة المستديرة، التي ستنظم بجنيف في دجنبر المقبل، وليس كالسابق، عضو ملاحظ. وهو موقف يؤكد اقتناع الأمم المتحدة بأن البوليساريو كانت دائما طرفا غير ممتلك لقرارها السيادي والسياسي. لذلك، أعاد المجلس قراءته للنزاع واقتنع بإقليميته وبدور النظام الجزائري في ذلك، وأنها هي الطرف المباشر، وأي حل لن يكون إلا معها وليس مع الجبهة، التي بدأت تفقد مشروعيتها التفاوضية أمام هذا التطور السياسي الكبير والمهم في نظرة الأمم المتحدة للنزاع ولمسالكه السياسية..
أعلن القرار عن إقبار الطرح، الذي ظلت تشهره الجزائر والبوليساريو كورقة سياسية في وجه الأمم المتحدة والمغرب، وهو استفتاء تقرير المصير، إذ أكد القرار على ضرورة انطلاق المسلسل السياسي للوصول إلى حل سياسي واقعي. وهذا الوصف ”الواقعي"، الذي قدمه القرار لطبيعة الحل المراد التوصل إليه، ليس اعتباطا، بل يعكس موقفا سياسيا جديدا لمجلس الأمن؛ فقد سبق لبيتر فان والسوم، المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة أن وصف الاستفتاء بأنه حل غير قابل للتطبيق، وكانت هذه الخلاصة السبب في تقديم استقالته. واليوم، يعود مجلس الأمن بوصف أي حل مستقبلي بأنه يجب أن يكون واقعيا، ولم يسبق له أن استعمل هذا الوصف لاستفتاء تقرير المصير، بل تقدم به في إطار الحديث عن حل سياسي بديل عن الاستفتاء، يظل هو الحل المقترح من طرف المغرب، أي الحكم الذاتي كحل واقعي قابل للتطبيق، خاصة أن المغرب أصبح أكثر استعدادا لتطبيق هذا الحل.
قطع قرار مجلس الأمن 2440، أيضا، مع أسطورة الأراضي المحررة، إذ توجه مخاطبا البوليساريو، ومن ورائها الجزائر، بعدم القيام بأي أعمال عدائية ضد المغرب وضد الأمم المتحدة، خاصة أن الأعمال التي ظلت تهدد بالقيام بها والأنشطة التي قامت بها في بئر لحلو والكركارات اعتُبرت مهددة للاستقرار والأمن بالمنطقة، لذلك توجه القرار بتحذير واضح إلى البوليساريو بخصوص هذا الموضوع، منهيا مخطط الجزائر بنقل المخيمات من على أراضيها إلى الأراضي المغربية، خاصة أن استمرار وجود المخيمات على أراضيها تزايد معه سخط الشعب الجزائري على نظامه، بسبب توريطه في نزاع لا علاقة له به. ولذلك، أرادت الجزائر البحث عن مخطط للتخلص من المخيمات، ولو ”برميها" في صحراء قاحلة لا إمكانية للعيش والحياة فيها.
فالقرار إذن أنهى مع هذه الفكرة ومع دعاية أساسية في خطاب الجبهة، التي تدعي أن هذه المناطق محررة، مع العلم أن العالم يعلم بأن هذه الأراضي جزء من التراب المغربي، وأن المغرب تنازل عنها لفائدة الأمم المتحدة من أجل السلم ونجاح اتفاق وقف إطلاق النار، ولم يعن ذلك تنازله عن سيادته عليها، بل تنازل وقتي لهدف محدد، هو الحفاظ على السلم..
أسقط القرار مختلف الأوراق الترافعية لدى البوليساريو، التي ظلت تترافع بها وتستعملها كأوراق ضغط على المغرب، وتحتج بها على الصعيد الأممي؛ فالقرار، كسابقه، لم يأت على ذكر موضوع الثروات الطبيعية، ما يؤكد عدم شرعية ادعاءات الجبهة في هذا الموضوع، وأن مجلس الأمن وجد حجتها في مختلف ادعاءاتها المتعلقة بموضوع الثروات الطبيعية غير جدية أمام مختلف التقارير الأوروبية، التي أنجزت في الموضوع. كما أنهى القرار مع موضوع توسيع مهام المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الإنسان، عندما أشاد بالمجلس الوطني لحقوق الإنسان ولجانه الجهوية في الصحراء، وبالعمل الكبير الذي تقوم به في النهوض وحماية حقوق الإنسان في الصحراء، معترفا بهذه الآلية كآلية مستقلة، عززت وتعزز حقوق الإنسان في الصحراء.
لقد أنهى القرار إذن مع البوليساريو وأفقدها مختلف الأوراق، التي مكنتها من الاستمرار طيلة هذه السنوات، إذ أكد على محورية دور الجزائر، وبذلك يمهد لاستبعاد الجبهة من أي حل سياسي، كما أفقد دعايتها السياسية مختلف الأوراق، التي ظلت تستعملها داخل المخيمات وخارجها، ولم يتبق إلا الإعلان عن الوفاة الرسمية للبوليساريو، مع التقدم السياسي الذي قد يحصل على قاعدة الحل السياسي الواقعي، المتمثل في الحكم الذاتي.
نوفل البعمري.