في كلمته أمام النواب البرلمانيين أول أمس الإثنين أظهر سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة، أنه لم يتمكن من بناء شخصية خاصة به، أي شخصية رئيس حكومة ورجل دولة، وحاول تقمص شخصية سلفه عبد الإله بنكيران، ولما نتحدث عن الاستعارة من هذا الأخير لا نعني بها المفهوم البلاغي ولكن مفهوم الاقتراض، حيث استعار عبارات لرئيس الحكومة المعزول. فخلال جوابه على أسئلة البرلمانيين في الجلسة الشهرية قال "إذا كنتم تريدون رئيس حكومة يصطدم بالملك، فابحثوا عن غيري".
هي نفسها العبارة التي ظل يكررها عبد الإله بنكيران طوال خمس سنوات ونصف. ليس اقتناعا لأنه أصلا لا يمتلك شجاعة المواجهة، وما ينبغي له لأن الأمور تتعلق بصلاحيات ينبغي تطبيقها. العبارة ظل يكررها بنكيران كي يتهرب من مسؤولياته ومن صلاحياته التي حددها الدستور. الملك لا يتدخل في صلاحيات رئيس الحكومة إلا من موقع الموجه باعتباره رئيسا للدولة وليس تدخلا صداميا كما حاول الترويج له.
بنكيران وجد في قصة عدم الصدام مع الملك مشجبا يعلق عليه فشله الذريع في تدبير أمور الناس، لقد فشل في تسيير الحكومة والاستفادة من الصلاحيات، التي تمتع بها أول رئيس حكومة في تاريخ المغرب. مشكل بنكيران لم تكن مع الملك ولا المؤسسات ولكن كانت مع الجهل بتدبير شؤون الدولة، مما جعله يرمي صلاحياته كمن يرمي الجمر ويفر إلى الأمام بدعوى أنه لا يريد أن يصطدم مع الملك.
ومن الاستعارات البئيسة تلك التي أقدم عليها العثماني، الذي كان يظن كثيرون أنه لديه شخصية مختلفة عن عبد الإله بنكيران، هي هذه الاستعارة التي لا معنى لها ولا أصل ولا فصل.
العثماني ملزم بأن يعرف بأن الدستور هو القانون الأسمى للأمة. فهو الحاكم على الجميع دون استثناء. وهو الذي يحدد الصلاحيات وحدودها، وعدم تجاوز الصلاحيات من قبل كل المؤسسات، وحدد للمؤسسة الملكية صلاحيات دقيقة، وبالتالي دعوى التصادم هي مجرد هروب من تحمل المسؤولية.
يريد أبناء العدالة والتنمية من هذه اللازمة أن يوحوا للمغاربة أن فشلهم ليس إراديا ولكن لأن هناك مؤسسة هي التي تحكم وحدها وهي التي ينبغي أن تتحمل مسؤوليتها، وبالتالي تصبح الحكومة ضحية بدل أن تكون متهمة بالتفريط في صلاحياتها.
لماذا الإصرار على تحمل رئيس الحكومة لصلاحياته الكاملة؟ لقد منح الدستور، الذي تم التصويت عليه سنة 2011، صلاحيات واسعة لرئيس الحكومة، ليس إرضاء لأحد ولكن استجابة لمطالب الشارع وتفاعلا معها، ومحاولة كبرى لتطوير النظام السياسي المغربي. إذن تخلي رئيس الحكومة عن أي صلاحية من صلاحياته هو تعطيل لتطوير النظام السياسي وتأخير له.
يوم يفهم العثماني أن التمسك بالصلاحيات وتطبيقها وتحمل المسؤولية الكاملة عند الفشل والافتخار بالنجاح أيضا ليست اصطداما مع الملك بتاتا ولكن هي مساهمة في تطوير النظام السياسي وهي رغبة جلالة الملك نفسه.