متعصبون يخشون التعصب !!!
يروقني كل مرة فاز فيها مرشح يوصف باليميني المتطرف في بلد ما، أن أراقب رد الفعل في العالم العربي والإسلامي. وتضحكني فعلا عبارات القلق التي ترافق هذا الفوز، والامتعاض من تصويت شعب ما في مكان ما من هذا العالم الفسيح على مرشح يميني ومتطرف فوق هذه اليمينية حسب علماء البوليتولوجيا لدينا في تابوتنا الممتد من الماء إلى الماء.
المسألة تكررت مجددا مع فوز بولسورانو برئاسة البرازيل، إذ تبارى العرب الماجدون والمسلمون الخالدون في الحديث عن تطرفه، وعن إيمانه المطلق بأن الكتاب المقدس هو السبيل الوحيد لجلب الصلاح للبرازيل وعن معاداته للمطالب النسائية وطبعا عن حربه المتوقعة ضد المثليين، وعن بقية العلامات التي عبر عنها الرجل الذي كان ضابطا سابقا في الجيش، والذي صوت عليه البرازيليون واختاروه رئيسا لهم مما لا شأن لنا به لا من قريب ولا من بعيد
مرد التناقض في رد الفعل العربي /الإسلامي من طرف شعوبنا هو أن هاته الشعوب، وكلما أتيحت لها فرصة الذهاب إلى صناديق الاقتراع لا تصوت على الجناح اليساري لديها ولا حتى على الليبراليين. هي تغمض الأعين كلها وتعطي في مصر ثقتها الكاملة للمرشد ولتابعه مرسي إلى أن أرسلت الإثنين إلى السجن، وهي في تركيا العثمانية تتصور أن الوحيد القادر على إعادة الأمجاد هو الخليفة أردوغان كبير الشطار، وهي في تونس تتخيل إما العودة رفقة الغنوشي ونهضته إلى المجد وأيام عز الأمة، أو تعتقد في إطار بعض المبالغة أن داعش تفي بالغرض وأن الصعود إلى الجبال وقتل الناس بالسلاح وتفجير العبوات التاسفة هو أيضا بعض من حل. وهي في الجزائر بداية التسعينيات أسلمت لعباسي مدني وعلي بلحاج طريق تحرير بلد المليون ونصف مليون شهيد من الكفر والدخول إلى الإسلام، وهي في كل مكان من هاته الأرض تتصور أن من يقول لها الأول في أي انتخابات أنه سيطبق الشريعة هو الذي يستحق أن يتم التصويت عليه وإن كانت علاقته بالسياسة وتدبير الحكم صفر على اليمين وصفر على الشمال، وصفر في الوسط بطبيعة الحال
أمة مثل هاته، وشعوب مثل هاته هل يحق لها أن تغتاظ لأن إيطاليا اختارت الرابطة المتطرفة لحكمها؟ هل يجوز لمن صوت على مرسي في مصر مثلا أن "يزعل" لأن أمريكا اختارت ترامب لقيادتها حاليا ومن غير المستبعد أن تسلمه قيادها لولاية ثانية ؟ من يتصور أن خلط الدين بالسياسة بشكل فظيع ومعيب هو الحل هل يحق له أن يعبر عن قلقه من انتخاب مرشح في البرازيل البعيدة عنا كثيرا لمجرد أن هذا المرشح يقول بأنه سيحكم بالكتاب المقدس وسيستشير الرب كل ليلة قبل أي قرار يتخذه؟
قطعا لا وأمثالنا إذ يقلقون وهم يرون في إسرائيل "شاس" وبقية الأحزاب الدينية المتطرفة تتقدم يوما بعد يوم في تحكمها في المشهد السياسي هناك يجب أن يتذكروا أن حماس في الضفة المقابلة تفعل نفس الشيء، لا بل إنها قسمت الفلسطين التي كنا نعرفها ذات زمن إلى فلسطينين: واحدة إسلامية في غزة والأخرى لا داعي لوصفها يقودها "اللي مابيتسماش أبو عباس" حسب تصريح الإخوانيين ومن والاهم،
لدينا مشكلة بسيطة جدا هي أننا لا نتوفر على عدد كاف من الزجاج الذي يلعب دور المرآة لكي نرى فيه وجوهنا. لذلك لا ننظر إلا إلى عيوب الآخرين، ولا نرى أحيانا أن ماننتقد عليه الناس هو بالتحديد مانسقط فيه، ومانعتبر أنه عادي أن نرتكبه لكن في الوقت ذاته نحرمه على الشعوب الأخرى ونذهب إلى عقلية المؤامرة الشهيرة لكي نبحث فيها عما يخلص ذمتنا وعما ينيم ضميرنا أكثر مما هو نائم
مشكلة هاته الأمة هي أنها لا ترى ولاتسمع، لكنها تتكلم، وهاته الأصوات المنبعثة منا تبعث رائحة غير طيبة على الإطلاق
لدى الآخرين على الأقل. أما لدينا فحاسة الشم هي الأخرى معطلة تقريبا مثل بقية الحواس.
لابأس إن شاء الله لا بأس، والخير أمام بطبيعة الحال.
مسلسل "سامحيني"
مرت خمسة أسابيع ولازالت قناة "الجزيرة" تبحث عن المنشار.
مرت خمسة أسابيع والقناة القطرية التمويل والهوى والنشأة وكل شيء تبحث بكل الوسائل الممكنة عن دليل يعضد اتهامها الذي أطلقته اليوم الأول بعد اختفاء خاشقجي في حق ولي العهد السعودي.
طبعا يحق للقناة أن تفعل بخط تحريرها ماتشاء وأن تخصص ساعات بثها الأربع والعشرين لما تشاء، فلسنا من يعطيها أسباب البقاء، لكن يحق لنا كمشاهدين من بين مشاهديها "الأوفياء" أن نطرح السؤال بعد أن ينتهي فيلم خاشقجي هذا عن المنتوج التلفزيوني الذي ستحمل به الجزيرة ساعات بثها لأن القناة تخصصت فعلا في الموضوع وأصبحت لا تغادر أنقرة إلا لكي تطل على إسطنبول، ولا تخرج من البوسفور إلا لكي تأخذ بثا مباشرا من إزمير
مشاهدوا القناة أصبحوا متخصصين هم أيضا في أسماء الساسة والمحللين الأتراك، واللعبة الطريفة اليوم تقوم على توقع ماسيقوله أوغلو بع أن يصله البث المباشر، وماسيرد به عليه سليمان القانوني فور تحويل الكلام إليه، قبل أن يمرر الكرة إلى هيام لكي تشرح لنا بقية تطورات هذا المسلسل العجيب.
متى سينتهي فيلم خاشقجي؟ وهل سيرسو على المرفأ الذي تريده له "الجزيرة" ؟
هانحن ذا نتابع هذا المسلسل التركي وقد تعودنا مع "دوزيم" وغير "دوزيم" أن المسلسلات التركية تبدأ يوما لكنها لا تنتهي إلى ختام الأيام، ومن يعش ير والسلام
اللهم حوالينا لاعلينا
الذين تساقط عليهم المطر في الدار البيضاء منذ يومين، ووجوا أنفسهم والمياه تغمر أرجلهم حتى "الركابي" ابتسموا وهم يتذكرون صورة عمدة المدينة الاقتصادية في القطار وهو يمد رجليه، ويطلقهما لأجل إعادة الدم إليهما، وتمنوا في قرارة أنفسهم وأيضا في "قرقارة قواديسهم" أن يطلق العمدة وفرقه بالوعات الماء وقنوات الصرف الصحي ومختلف سراديب تسيير مرور المياه في المدينة الغول لئلا يغرق الشعب في قليل القطرات المائية ويشرع في طلب الجفاف من السماء.
الذين رأوا الدار البيضاء وترامواي العاصمة الاقتصادية يسبح ومع ذلك يحمل الناس ويمضي ابتسموا.
أي نعم هم ابتسموا بألم، لكنهم ابتسموا، وهذه حسنة تحسب لمن يسيرون هاته المدينة، ولمن يسيرون بها إلى الاتجاه الذي يعرفون.
اللهم حوالينا لا علينا. هذا هو دعاء العواصف والمطر وكفى.
بقلم: المختار لغزيوي