التقاني صديقٌ قديم بالصّدفة، وأخبرني أنه يتابع مقالاتي يوميا، ثم زفّ لي الخبرَ المأساة، وقد رآه بالصوت والصورة في مواقع [النِّت]، وأنا لا أتوفّر على هذه الوسائل، ولستُ من المصابين بدائها، لأنّي أفضّل الكتب، والصحف، والقنوات الفضائية إذا كان فيها ما يستحقّ الاهتمامَ والمتابعة.. حدَّثني صديقي عن فضيحة البرلمانيين، وهم (يلْهفون) الحلوى بعد الخطاب الملكي، يوم الجمعة (12 أكتوبر 2018).. بعد ذلك، أخذتُ سيارةَ أجرةٍ، وكان السائق في حديث مع زبون حول "شوهة حلوى البرلمان"، وتحدّثا عن سمعة الوطن، ومصداقية البرلمان في العالم، خلصا إلى أنّ هذا البرلمان ليس له إلاّ الاسم، وأنّ النواب لا علاقة لهم بالقبّة، بل هم أناس [مدَبْرين على رُوسهم فقط].. قضيتُ الليلةَ وفكري مشغول بهذه القضية رغْم أنّي لم أشاهد صورًا لها، ولكنّي تأكّدتُ أنها قضية لا تشرّف البلاد، وأنّ التاريخ الذي لا يرحم سيدوِّنها للأجيال القادمة، وعلمتُ لماذا لا ينجح أيُّ مشروع تنموي أو إصلاحي رغم ملايير تُبذَّر هنا وهناك طيلة السنين..
ولكن يوم الإثنين، على قناة [بي. بي. سي]، خُصِّصَ برنامجٌ لهذه الفضيحة المدوّية، وبُثَّتْ صورٌ صادمة ومؤلمة لبرلمانيين، لم يكنْ همُّهم متابعة الخطاب الملكي السامي، بل كانوا يتربّصون بالحلوى ليسرقوها في واضحة النهار.. شاهدت مشاهدَ غير مشرّفة، وأدركتُ أنّ البرلمانيين هم أكثر المغاربة فقرًا وجوعًا على الإطلاق، وتوصّلتُ إلى قناعة وهي: [مَنْ شَبِه أحزابَه، فما ظَلَم.].. فهذه هي النُّخب التي تنتجها أحزابُ الرّدة والمذلّة.. أحزابٌ هي الأصل في تخلُّفنا، وتشويه ديموقراطيتنا.. هذه الأحزاب التي كانت وراء اضطرابات، وإضرابات، وفوضى، حتى لإنّها كانت تناهض الملكيةَ بل منذ أقلّ من ثلاثة أشهر، صرّح حزبيٌ بأنّ الملكيةَ هي الأصل في تخلُّفنا؛ وتلاه وزيرٌ من حزبه، فصرّح بضرورة إقامة ملكية برلمانية، بدل ملكية دستورية.. والمثير للعجب، أنّ ما نكتبه معتمدين على مراجعَ تاريخية وأحداث، وما نكتب ضدّه، هو للأسف الشديد ما ينفَّذ على الساحة السياسية، وهنا يُطرح سؤالٌ كبير: ما جدوى الكتابة؟
كان (لاهفو) الحلوى يسيرون في أمن وأمان تحت أنظار الشرطة والمواطنين، ولم يضايقْهم أحد.. كانوا غير خائفين من أحد، لأنّ لهم حصانةً تحميهم من أية متابعة قانونية بتهمة السطو، وتشويه سمعة البلاد عبر العالم، ونحن نسأل: هل هانت سمعةُ الوطن، وصُورتُه إلى هذا الحدّ؟ فتلك الحلويات كانت الخيريات، والملاجئ، ودار الطالب، والمستشفيات أولى بها من برلمانيين جوعى، وهم يركبون سياراتهم السوداء من طراز [مرسيدس] الفخمة.. كان من المفروض اعتقالُهم، وبيدهم دليلُ إدانتهم، مع سجنهم، وإعفائهم من مهامّهم؛ فتصوّرْ ماذا كان سيحدث لو حدث مثلُ هذا في الصين، أو في كوريا الجنوبية، أو في فرنسا، أو حتى في إسرائيل؟ كان المشهد سيفسَّر على أنه خيانةٌ للوطن، وإساءةٌ لسمعة البلد، وسرقةٌ موصوفة.. لهذه الأسباب، كان [ڤيلبّان] قد قال لـ[العثماني] إنّ المغرب أحسن من فرنسا، فلم يفهم رئيسُ الحكومة معنى ذلك.. في سنة (1983)، ذهب برلمانيٌ إلى (باريس)، ودخل (سوبير مارشي)، ولم ينتبهْ لكاميرات المراقبة، فأخذ البرلمانيُ المغربي ساعةً يدويةً غالية، ووضعها في جيبه؛ وعند باب (السوبير مارشي) استوقفوه، فوجدوا الساعةَ في جيبه، ونادوا الشرطة، وبشقّ الأنفس أخلوا سبيلَه، وطلبوا منه مغادرةَ البلاد فورًا؛ ولكنّ حزبه لم يتخذ أيَّ إجراء في حقه، ولم يُفصَل من البرلمان.
فمن سرق الحلوى أمام الملَإ، يمكن أن يسرق الأموالَ والميزانيات، وقد علّمتْه الأحزابُ ذلك، وبرّرتْ له سلوكاتِه المشينة…