يسألونك عن الساعة، قل علمها عند ربي، وجدلها الكبير عند كل من أقامهم نقاش الساعة الصيفية والشتوية من مكانهم ولم يقعدوا لحد الساعة، بعد أن استغلت الحكومة ساعة الليل وأعلمت البعض أن اجتماعا استثنائيا سينعقد في اليوم الموالي للخميس أي الجمعة، في ساعة لم تحددها، وبعد ذلك بهنيهات، يعلم الله قدرها ولا توقيت لها لدينا تم صدور البلاغ الذي يقول إن الساعة الصيفية أصبحت هي الساعة القانونية للمملكة ولاراد لقضاء الله.
طبعا الحصيف في موضوع مثل هذا يذهب مباشرة للبحث عن الأسباب التي فرضت هذا الإجراء، وفرضت تنفيذه وفرضت الالتزام به. ينقب قليلا في الشروط الاقتصادية والإدارية وفي العلاقات الخاصة بالمعاملات التجارية مع البلدان القريبة إلينا شمالا. يبحث عن موضوع الساعة هذا في فرنسا فيجد أن قرارا مماثلا تم اتخاذه، لكن سيتم الشروع في تطبيقه في شهر أبريل المقبل، وأن هذا السبت الذي ودعناه هو آخر سبت من أكتوبر تغير فيه فرنسا ساعة الفرنسيين مرة في الصيف ومرة في الشتاء بعد أن اتضح أن هذا التغيير يؤثر سلبا على كثير الأشياء .
أيضا نفس اللبيب الباحث عن الفهم، لا عن النقار الفارغ، يذهب للبحث عن موقف الاتحاد الأوربي من المسألة، وعن القرار المجمع عليه باتخاذ نفس القرار المغربي مع ترك حرية التصرف في تطبيقه لكل دولة أوربية على حدة، ويسأل وزير الوظيفة العمومية بنعبد القادر عن السبب الذي جعل الحكومة تتخذ هذا القرار ويستمع لمختلف تبريرات هو يرى إن كانت مقنعة له أم لا.
هذا بالنسبة للبيب العاقل القادر على تحكيم عقله في الأمور. بالنسبة لجيوش فيسبوكية تابعناها منذ الخميس ليلا، وطبعا طيلة الجمعة والسبت والأحد سمعنا عبارات غاية في الطرافة من قبيل الدعاء بالخير للحكومة "الله يلقيها ليهم"، أو رفع الأعين إلى السماء وطلب المساعدة من الرب والقول "يارب عليك بهم فإنهم أهلكونا"، أما قمة المتعة في النقاش الفيسبوكي حول الساعة - وأعترف أنني أصبحت مدمن متابعة لغباء الفيسبوك الطريف حتى أخالني أصبحت غبيا مثل بقية رواد العالم الأزرق الفاتن ولا ضير في ذلك ولا اعتراض - فكان هو اتهام الحكومة أنها بهذا الإجراء ستكرس الانهيار العصبي الذي يعاني منه أغلب المغاربة والأمراض النفسية والتوترات والقلق الذي نراه في الشارع يوميا، وفي منازلنا، ومع الجيران، وفي الملاعب، وفي العمل، وفي المقاهي وعلى الطريق وهلم جرا مما يستطيع أول طبيب تخرج حديثا من كلية الطب شعبة العلم النفسي وما إليه أن يشرح أسبابه ومبرراته بعيدا عن الساعة وتوقيتها وقريبا من المشاكل الداخلية للمرء مما لانتعامل معه جيدا لأسباب ليس هنا أوان بسطها طالما أنها كثيرة ومتعددة.
المهم ماعلينا..لنعد إلى الساعة وحديثها ذي الشجون، وقد هز المغرب من أقصاه إلى أقصاه، ولنترك الحكومة تتدبر أمرها مع المواطنين طالما أنها لاتشرك الصحافة الوطنية في هاته القرارات إلا بعد وقوعها وتنتظر منا أن نكون صدى صوت سيده، ولنتناول المسألة من منظار آخر هو الذي يهمنا فعلا، هو علاقتنا نحن المغاربة - بعيدا عن الحكومة فك الله مشاكلها العديدة - مع الزمن ومع الوقت.
أنا وأنت ونحن جميعا، سبق لنا ذات يوم أن دلفنا إلى إدارة في وقت باكر لكي نغتنم الوقت، فلم نجد موظفي تلك الإدارة في أماكنهم رغم أن ساعة الدوام قد انطلقت. ونحن جميعا جربنا تلك الجملة العجيبة التي يعاجلك بها الموظف المتأخر عن وقت عمله حين يأتي إلى الإدارة فيجدك بانتظاره ويقول لك "بايت هنا آلشريف؟ حلمتي بينا ولا شنو؟". قبل أن يخبرك أنه فور إشعال الحاسوب سيذهب إلى المقهى لكي يفطر ويعود وأنه لن يستغرق أكثر من "جوج ديال القسمين" حسب تعبير طيب الذكر محمد الجم الجميل، وقبل أن تكتشف أن الساعة تقارب الثانية عشرة زوالا والموظف الجميل لم يعد بعد من إفطاره الباذخ.
أنا وأنت ونحن، حصل لنا يوما أن ذهبنا بعد صلاة الجمعة إلى إدارة، فوجدنا جموعة المؤمنين والمؤمنات وقد غادروا الإدارة منذ العاشرة صباحا، ولم يعودوا إليها والساعة تقارب الثالثة بعد الزوال، لكأنهم يؤدون صلاة الاستسقاء وتاهوا في الشوارع وليس صلاة الجمعة التي لا تتعدى نصف ساعة في أول الأحوال.
أنا وأنت ونحن، ضربنا لشخص ما موعدا مهنيا أو إنسانيا وتركناه "منشورا" ينتظر وقلنا له فور اتصاله بنا في الهاتف "هانا حداك والله حتي قريب"، وإن كنا حينها نطل على نفق تيزن تيشكا الشهير.
أنا وأنت ونحن، سبق لنا أن جلسنا في اليوم الأخير من العطلة السنوية نتفقد عطل العام المقبل، ونفرك الأيدي فرحا عندما يلتقي عيد وطني بعيد ديني بسبت وأحد فنعد العدة منذ ذلك الحين لسفر أو لقاء عائلي أو "زردة" أو ماشابه.
أنا وأنت ونحن سبق لنا أن قلنا "اللي بغا يربح العام طويل"، وأنا وأنت ونحن سبق لنا أن رددنا "الساعة لله مالك مزروب"، وأنا وأنت ونحن سبق لنا تورطنا وورطنا أنفسنا في عبارة "مازال الحال"، وغنينا مع محمود الإدريسي مقطوعته الشهيرة "واش نزيدو مازال الحال ولا فات الحال علينا". وأنا وأنت ونحن سبق لنا أن أخلفنا موعد الدخول إلى العمل في التوقيت المحدد، وسبق لنا أن حملنا متاعنا البسيط وهربنا قبل انتهاء الدوام بساعة أو ساعتين أو أكثر في أسوأ الأحوال.
لذلك يبدو حديث بعضنا عن الساعة وأهمية الساعة واحترام الساعة وبقية المتعلقات بالساعة مفتقدا لبعض المصداقية، مع أن هذا النقاش يمتلك فضل جرنا إلى مساءلة أنفسنا عن علاقتنا بالوقت، وعن مدى فهمنا لأهمية الزمن وللدقائق التي تهرب من أيدينا والتي لن تعود أبدا، عوض الانكباب على سب الحكومة وكفى، مع أنها حكومة بسبب طريقة تعاملها مع عديد الأشياء تستحق كثيرا مما تتعرض له هاته الأيام، وهذه لا نمل ولا نكل من تكرارها لئلا يقال لنا "كتدافعو عليهم".
في الحقيقة الحاجة الوحيدة التي ندافع عنها هي الأمل يوما في إعمال العقل في عديد الأشياء. ونعرف أننا أصبحنا تقريبا الوحيدين في الميدان، لأن الكل يساير الحمق الجماعي المسيطر على المكان، ولا أحد يريد إغضاب ديكتاتورية الجموع التي تقول لك "إفعل هذا وقل هذا، ولا تفعل كذا ولا تقل كذا وإلا فستخرج من زر الإعجاب" الذي أصبح ممسكا بعقول العديدين، على افتراض أن لهؤلاء العديدين عقولا يحركونها فعلا في الاتجاه السليم أو وفق عقارب الساعة لكي نبقى في هذا النقاش الطريف الذي لانريد له انتهاءا في حقيقة المطاف، لذلك سنكمله غدا أو بعد غد أو بعد شهر أو بعد عام لا يهم.. ففي نهاية المطاف "مولانا رخاها واللي بغا يربح العام طويل"، أليس كذلك أيها المتسرعون الجدد؟
بقلم: المختار لغزيوي