وتتوالى الضربات تلو الأخرى، ليتأكد يوما بعد يوم أن الهجمات التي تشنها الصحافة الفرنسية، الرسمية والخاصة، على المغرب وملكه أضحت ممنهجة، وتدل على أن الأمور ليست على ما يرام بين باريس والرباط.
لا يمر أسبوع دون أن تخصص الصحافة الفرنسية، المكتوبة والمسموعة والمرئية، برامج وصفحات كاملة للشؤون الداخلية للمملكة وللشؤون الخاصة للملك محمد السادس، حيث يحشر الصحافيون أنوفهم في لباس الملك، ووزنه، وشكله، وأصدقائه، وعائلته، ونوع الموسيقى التي يعشقها، والأماكن التي يرتادها، والدول التي يزورها.
الغريب، أن الصحافة الرسمية كفرانس أنتير، وقبلها وكالة فرانس بريس، وقناة فرانس 24 التي تمولها الدولة، ثم لونوفيل أبسرفتور ومغريب كونفيدونسيال ولاكروا تتلذذ بالشأن الداخلي المغربي لكنها تبلع ألسنتها، وتجف أقلامها وحناجرها حينما يتعلق الأمر بالشأن الداخلي الفرنسي.
فالرئيس إيمانويل ماكرون يمر بأكبر أزمة سياسية اضطرته لتعديل حكومته الأسبوع الفارط، والمعارضة الفرنسية تتهم الرئيس بشتى التهم الأخلاقية والسياسية، فهل هذا لا يشكل مادة صحافية دسمة أكثر أهمية ونفعا للفرنسيين من الأمور الخاصة لملك المغرب محمد السادس؟
والرجل السياسي المزعج “ميلانشون” اقتحمت الشرطة الفرنسية شقته في خرق سافر لحصانته الديبلوماسية، وضرب لحريته وكرامته، وكذا كرامة عائلته، ومع ذلك تفضل ذات الصحافة الحديث عن الملك محمد السادس، وعن الفساد، وتفشي الرشوة، وانعدام الديمقراطية في المغرب.
حتى العجوز “إيناس دال”، تمت المناداة عليه ليعزز صفوف هذه الكتائب، ويغرد معهم خارج السرب، بل وينشد معهم بعض الأناشيد المملة. لكن وبدل أن يجد ويكد ويشمر عن ساعده لإنجاز تحقيق في المستوى، فضل أسلوب الكسل المعروف لدى بعض الأغبياء حيث أجرى استجوابا سخيفا وعقيما مع المعطي منجيب، أحد تجار حقوق الإنسان، الذي يتابع في حالة سراح من أجل تبذير تمويلات أجنبية لصالحه، ولصالح أخته، وكذا من أجل تهربه الضريبي حيث تطالبه إدارة الضرائب بتسديد عشرات الملايين من السنتيمات على ذمته.
ولو كلّف الصحافي انياس دال نفسه عناء التحري الموضوعي، لوجد أن المعطي منجب غير منجب تماما وأنه سبق أن ادعى أنه ممنوع من السفر خارج المغرب، في حين أنه شارك في ندوات دولية درت عليه آلاف اليوروهات في كل من تركيا وقطر وغيرهما.
أما اليوم، وهو يدعي أنه مهدد بالقتل، مستغلا قضية اغتيال الصحفي جمال خاشقجي، فننصح الصحافة الفرنسية بالتوجه نحو ضيعته في مدينة بنسليمان، حيث يقضي أحلى الأوقات مع أصدقائه “الحقوقيين” النويضي والحمودي صديق الأمير مولاي هشام وغيرهم. لا نعتقد أن مغربيا واحدا من من الأربع وثلاثين مليون مغربي سيصدق أسطوانة التهديد بالقتل، لأن المعطي منجيب بكل بساطة شخص نكرة، ولا يشكل خطرا على أمن البلاد والعباد.
والمخجل أن يكذب “منحب” -من النحيب- على قراء انياس دال بكل وقاحة، بالقول إن توفيق بوعشرين المتابع بتهم جنسية ثقيلة، وموثقة في أشرطة فيديو، يؤدي ضريبة قلمه، وأنه يتعرض للحرمان من الأكل! فبوعشرين ينفي التهم الجنسية الموجهة إليه، وهذا ما فعله طارق رمضان تماما، عدة أشهر، قبل أن يعترف بذنوبه وفعلاته المخزية وممارساته الجنسية العنيفة مع ضحاياه، وكان الأجدر أن تهتم الصحافة الفرنسية بهذه الأمور الخطيرة على المجتمع وعلى تربية الأجيال القادمة.
لقد انطلقت قبل يومين محاكمة كاتب الدولة الفرنسي السابق في الوظيفة العمومية، بعد أن اتهمته اثنتين من موظفاته بالاستغلال الجنسي، وهنا لا أحد يتحدث عن تصفية حسابات سياسية، ولا شيء من هذا القبيل كما هو الحال في قضية بوعشرين. فلماذا يريد البعض أن يجعل من توفيق بوعشرين ضحية سياسية رغم وجود ضحايا تطالب بحقها؟
وأخيرا نقول إن انياس دال والصحافيين الفرنسيين “المتخصصين” في الشأن المغربي، لو كانوا فعلا يريدون كشف حجم الفساد الذي ينخر المغرب، لاكتشفوا بسهولة أن النويضي ومنجب وخديجة الرياضي وغيرهم من “موظفي حقوق الإنسان”، يستفيدون من ملايين اليوروهات التي تأتي من الخارج. ولاكتشفوا بشاعة أشكال وأنواع التعذيب التي كانت تمارسها عائلة “الحقوقي” النويضي على خادمة بريئة كانت في مقتبل العمر. ولاكتشفوا من كان فعلا يقود سيارة النويضي حينما صدمت شخصا وأودت بحياته. هل الابن أم السائق؟
من المؤسف أن تستمر الصحافة الفرنسية في جلد المغرب ورموزه، دون أن تحرك حكومته ساكنا برئيسها ووزيرها في الاتصال، والوزير القوي الذي يسعى جادا لخلافة سعد الدين العثماني، والبرلمانيون الذين ألهتهم قصص الحلوى والتاهفت على المناصب.
ولذا، فلهذه الصحافة الفرنسية نقول: خلا لك الجو فبيضي وأصفري!
أبو سفيان