يقول مثل مشرقي “الحلو ما يكملش”، كذلك الشأن بالنسبة لما يحدث في المغرب، فسرعان ما يعود الحزن والغضب والإحباط إلى نفوس المواطنين بعد لحظات مفعمة بمشاعر الفرح والأمل.
الحديث هنا، عن فيديو لـ”حيوان بشري” أقدم رفقة صديقه في “الحيوانية” على اغتصاب فتاة قاصر بطريقة شنيعة ووحشية لم تتم فيها مراعاة مشاعر الجنس اللطيف، أو على الأقل أبسط الخصال الإنسانية، بحيث تم تجريد الضحية من ملابسها ومورِست عليها أبشع أشكال العنف الجسدي والجنسي والمعنوي…
حتى وإن كان تاريخ توثيق الفيديو يعود إلى ما قبل سنتين، إلا أن وقعه كان كبيرا في نفوس المغاربة، نظرا للمشاهد الصادمة التي تضمنها، وللرسائل السلبية التي حملها في طياته، حيث نزل كالصاعقة ضاربا عرض الحائط كل تلك الآمال التي انتظرها الشعب المغربي بعد سن قانون محاربة “قانون محاربة العنف ضد النساء”.
الصادم أكثر، هو أن الفيديو ظهر في الوقت الذي استبشرنا خيرا بالتصرف النبيل لآلاف المغاربة حين بادروا إلى التبرع بدمائهم من أجل إنقاذ أرواح جرحى ومصابي حادثة قطار بوقنادل، إذ جاء الفيديو ليُغطي على كل تلك اللحظات المفعمة بالحب والفرح، والتي تدل على أن قلوب المغاربة رحيمة وكبيرة وتزداد اتساعا حتى في أحلك اللحظات.
أكثر من هذا وذاك، فقد زرع هذا الفيديو وغيره من فيديوهات الكريساج التي ظهرت بعد حادثة القطار، نوعا من الإحباط الذي يدِب في النفوس، خاصة وأن قضية بوقنادل أظهرت المعدن الأصيل للمغاربة، قبل أن ينقلب كل ذلك في رمش العين، فعادت حليمة إلى عادتها القديمة…
كما زرعت مثل هذه السلوكات شكوكا، حول ما إذا كانت مظاهر التشرميل والإغتصاب والسرقة، هي الطبيعة السائدة في المغرب أم أنها فقط مجرد حالات شاذة قد تحدث في أي مكان في العالم، وتساهم في انتشارها مواقع التواصل الإجتماعي، كما يمكن التساؤل حول ما إذا كانت الأعمال الخيرية والتضامنية هي الإستثناء في هذا الوطن، وهو ما عكسته مبادرة التبرع بالدم التي استأثرت باهتمام مجتمعي وإعلامي بالغ.
إن الوصفة المناسبة لمواجهة مثل هذه الظواهر التي لا يمكن إلا أن نعتبرها “دخيلة” على المجتمع، هي إشاعة ثقافة فِعل الخير والتعامل الإنساني مع الغير، ونشر روح المواطنة والغيرة على الوطن، فهذا يدخل ضمن واجبات الآباء والمجتمع بصفة عامة، أما الدولة فمهمتها تتجلى في توفير تعليم وصحة وسكن وفرص شغل لفائدة الشباب، ومناخ إيجابي للأطفال حتى ينشؤوا في وسط متحضر…
ومن المؤكد أن الشاب الذي اغتصب الفتاة في الفيديو لن يكون ضمن المواطنين الذين تبرعوا بدمائهم لفائدة ضحايا القطار، كما أنه مستبعد جدا أن يكون متبرع بالدم قادرا على اغتصاب فتاة وتوثيق تلك اللحظات البشعة بهاتفه، وهنا تكمن معادلة الخير والشر، فكلما كثُر الأول نقُص الثاني إلى أن ينمحي للأبد…
شريف بلمصطفى