طُلّ سيّدي المستشار، حيثما اخترتَ الاستقرار، أكنتَ في المجلسين، أو في إحدى جماعات الأخيار؛ لا يهمّ.. طُلّ من نافذة الدار، لتأتيكَ الأخبار، باعتصامات، باحتجاجات مسحوقين أضناهم الانتظار.. طلّ لترى شبابًا يانعًا لم يجد شغلاً، ولا مصدر عيشٍ كريم يردّ له الاعتبار.. طلّ أيها المستشار لتراهم يحتجّون، أو يلتمسون، ومطالبهم كانت في ملصقِكَ أبرز شعار.. طلّ سيدي المستشار، من نافذة الدار، لتراهم مصطفّين، كلهم شباب، من مختلف الأعمار.. طلّ أيها المستشار، لترى شهاداتهم العليا، وأنت والله لا تملك قِطْميرًا ممّا في رؤوسهم من معارفَ وأفكار.. طُلّ ولو مرة من نافذة الدار، لترى مواطنين يائسين، يفرّون عبر البحار، يركبون مختلف الأخطار، طالبين رغيفًا هناك في بعض الأقطار.. طلّ لترى وسائل إعلام الخصم والجار، تستغلّ ظروفهم، وتصوّر قواربهم، لتشوّه سمعتَنا عبْر الأقمار.. وأنتَ سيدي المستشار، كل ما تفعله هو الإسهال الكلامي، واختتام الجلسات بالمشادّاة والشجار..
طلّ سيّدي المستشار، لترى البؤسَ والشقاءَ، علتْ صفرتُهما سحناتِ الشباب، فأصابتْ حتى الأطفال الصغار.. طُلّ أيها المستشار، الذي صارت له انتخاباتُنا ميدانَ استثمار.. ثم بشتى الأساليب تسرّب الفسادُ إلى الدار، فأُصيبت ديموقراطيتُنا بشتى الأضرار.. طلّ، لترى حالةَ الجار، الذي راودتَه بالأمس على نفسه، يوم نزاهة الاختيار، فمنّيتَه بالشغل لعياله، وإصلاحٍ لحاله، وحال قريته، ومجاله الذي يكون كلّ سنة فريسةً للفيضانات عندما تنهال الأمطار.. تعالَ سيّدي المستشار، لتستنشق معنا، وتملأ رئتيْكَ بهواء "نقي" ممزوج بعطر الواد الحار.. تعالَ لتشهدَ بنفسك على ما حقّقتَه في كذا مضمار.. تعالَ لترى نتائج سياسة الانتهازية والاستئثار.. تعالَ ولا تخجلْ، فذاك عملُك، وتلكم طبيعة المنافقين الكبار.. تعالَ ولا تكترثْ بما يقال، فمن أجل جمْع "الدينار"، بل من أجل أمثالك بُنِيَتْ تلك الدار..
طلّ سيدي المستشار، لترى المدينةَ عشّش فيها الفقرُ، وتناسلتِ الجريمةُ، بسبب الفارّين من المدشر، أو القرية، أو الدوار.. طلّ أيّها المستشار، لترى العامل وضعُه خامل، ويده أصابتْها حروقٌ من شدة لهيب الأسعار.. طلّ لترى عاملاً يعاني من سوء السّكن، وأضناه ارتفاعُ مبلغ الإيجار.. طلّ لترى موظّفًا يتلاعبون به بواسطة أكذوبة الحوار، وبعْد كل حوار تكون النتائجُ كمشة أصفار.. ومع ذلك، يتحدّثون عن إصلاح الإدارة؛ لكن كيف يصلح قطاعٌ بجندي وضعُه يائس، ونفسيتُه مدمّرة، وحالُه منهار؟ طلّ سيدي المستشار، لترى إدارات استحالت إلى معتقلات، وطيلة عشرين سنة لم يعرفْ فيها دخْلُ "السجناء" ولو زيادة "جوج كبار".. طلّ أيها المستشار لترى إدارةً منهارةً، عجّتْ بموظّفين: هذا صِهْر الوزير، وهذه بنتُ أختِ المدير، ثم الذين يتحمّلون الضغطَ، هم الموظّفون الصغار.. وإذا اشتكى فُتِحَتِ المساطرُ، وطبّقتِ القوانين، وفي التو اتُّخِذَ في حقه القرار، وبيسَ القرار.. طلّ سيّدي المستشار، لترى تعليمنا وقد استحال مصنعًا مفلسًا، ينتج "منتوجًا" مآله خزائن البطالة، وبعضه ينزوي في المقاهي طول النهار.. قالوا إصلاحُ منظومة التربية، فمن تكفّل بالإصلاح غير إشهاريين، ومستثمرين، وكبار التجار؟! فتحوّل ميدانُ التعليم إلى تجارة، وبيْع وشراء، وتحوّلتِ التربيةُ إلى مجال استثمار.. أم أنا مخطئ سيّدي المستشار، وكيف تستشار وأنتَ ليس لك ما فيه تستشار، غير الدفاع عن تقاعُدِك، وتعويضاتك في مجلس أصبتَ فيه الأبّهة والوقار.. مقابل ماذا؟ مقابل تمثيل، وإسهال كلامي بأبهظ الأثمان، وتدخلات، وكلمات كاذبة مللناها لفرط التكرار..
طلّ أيها المستشار، لترى مدرّسًا استحال إلى "مرتزق" يشتغل بالعقدة، مقابل ملاليم، فما تحركتِ السلاليم، ولا تحسّن الإطار.. طلّ سيدي المستشار، لترى المدرّسَ شُرِّدَ، وأُبْعِد عن زوجتِه، وعن أفراخ بِذي مَرخٍ، لا ماء ولا حطب، حُكِمَ عليه بالعزوبة قهرًا، وكأنّه من رهبان الدّير، أو فئة القساوسة والأحبار.. طلّ أيها المستشار علينا من نافذة الدار لنستشيرَك؛ لكن كيف يستشار مَنْ كان بلا خبرة، بلا وطنية، بلا عبرة في هذا المضمار! والله لو كنتُ حقّا وصدقًا مستشارًا، لأغرتْكَ دولٌ، ولاشترتْكَ كما يشترى نجومُ الكرة الكبار.. لكنْ طمْئِنّي سيّدي المستشار، وقلْ لي أين وصلتْ قضيةُ تقاعُدك، وهي أهمّ قضية تُناقَش تحت سقف الدار؟ ثم أنتم ما شاء الله، (علماء الفضاء)، فمتى ستجعلون الأسعار خارج الغلاف الجوّي في المدار؟ أحيِّيك سيّدي المستشار، وأنحني أمام شخصك، على الشجاعة، وعلى الوطنية، وحُسْن الاستبصار.. (براڤُو!)..