هل يجب أن تتخلى على كل ما تعلمته في الصحافة وتجامل السيد المعطي منجب وتنتصر لقضيته «الغريبة» لكي تصبح مصنفا في خانة الصحافة العادلة؟ هل يكفي المعطي منجب أن يتحول الصحافي أو الصحافة عموما لصدى أفكاره الخاصة وتصوراته لكي يثبت عنده صديقا؟ هل يجب على الصحافة أن تتفادى الحديث عن الأسباب الحقيقية لاستدعائه للمثول أمام القضاء، وأن تستنكف عن شرح أسباب هذه الدعوة لكي يرضى المعطي، ويخضعه لمنطقه الخاص وهو يتحدث للصحافة الأجنبية عن بلده؟
تلك هي الخلاصات التي يستنتجها كل قارئ للحوار الذي أجراه المعطي منجب مع صحيفة إلكترونية لا يسمع ولا يروى عنها الشيء الكثير تدعى «أوريون 21»، والذي صنف من خلاله الصحف والمواقع المغربية كيفما أراد، وبخلفية يعوزها الكثير من الصدق في تقديم المعطيات الصحيحة. فبالإضافة إلى موقع 360 وجريدة الأخبار، تناول المعطي «الأحداث المغربية» باتهامات خطيرة نابعة من طريقة تعامل الجريدة مع الاتهامات القضائية التي يواجهها، والأسئلة الأساسية التي وجهت بخصوصها هذه الاتهامات، والتي يجب عليه أن يجيب عليها أولا وليس «الأحداث المغربية». ولعل المعطي نسي أن صك الاتهام موجود ومن حق أي صحفي أن يطلع عليه وأن يدبج به مقالاته المتعلقة بالقضايا المعروضة على أنظار هيئات المحاكم في المغرب كله، وليس في قضيته فحسب، كما تقتضي المتابعة الصحفية العادية.
العالم الغرائبي والخاص جدا الذي صوره المعطي منجب للصحفية التي أجرت معه الحوار في الموقع المذكور لم يقف عند هذا السيناريو. فقد ادعى المعطي، فيما يبدو أنه أصبح موضة جديدة يعتقد كل مروج لها أنه صار جزءا من الأسطورة، أنه يتلقى تهديدات بالقتل منذ العام 2014، وأن حياته وحياة أسرته أصبحت في خطر. غير أن المتتبع لملف المعطي منجب، وحين يقرنه بهذا الادعاء، يتأكد أن الأمر لا يعدو أن يكون حلقة جديدة في مسلسل قديم عنوانه زوبعة في فنجان. فالسيد المعطي الذي يدعي تلقي تهديدات بالقتل منذ العام 2014، أمضى كل هذه السنوات في التنقل الحر بين فيلته على شاطئ الهرهورة وضيعته الشاسعة في بن سليمان، وجالس أصدقاءه في مختلف المدن المغربية وشارك في مظاهرات واحتجاجات، ونقاشات عامة وخاصة، وشارك في ندوات تطرقت لمختلف المواضيع، من الحديث عن الحرية والسياسة والاقتصاد في المغرب إلى تصنيف الصحافة الوطنية بين ما معه وما ضده، ثم خاض إضرابا عن الطعام... دون أن تمسسه شعرة واحدة. ولعل المعطي نسي أو تناسى أن المغرب لا ينتهج هذا الأسلوب مع معارضيه، وأن ليس من طبع المؤسسات الوطنية متابعة كل من يعتبر نفسه معارضا عبر طرق ووسائل تمس الكرامة الإنسانية أو حرمة الذات أو الجسد.
مشكلة المعطي منجب أنه ينسى، من فرط القدرة على تضخيم الذات والرغبة في انتشار إعلامي زائل، أن مشكلته الأساسية ليست مشكلة رأي ولا معارضة لسياسات عمومية في البلاد ولا صدحه المزعوم بقول حق، ولا لكونه صحافيا لامعا صار من اللازم إخراس صوته.. مشكلة المعطي منجب قانونية صرفة وعليه، ككل مواطن المغربي رأى القضاء أنه ملزم بتقديم إجابات عن اتهامات ثابتة، أن يحضر إلى المحكمة للإدلاء بإفاداته حولها. المعطي منجب كان قد أسس قبل سنوات مؤسسة غير ربحية هي «مؤسسة ابن رشد للدراسات والأبحاث»، تحولت بعد مدة إلى مؤسسة تتلقى دعما وتمويلا ماليا من الخارج، وهو ما أصبح المعطي ملزما بتقديم أجوبة عليه أمام المحكمة عند استدعائه.
سي المعطي عليك أن تجيب فقط على الأسئلة ذات الطابع القانوني التي ستضعها عليك هيئة القضاء والتي تتمحور حول موضوع: من أين لك هذا؟ بعد ذلك ستسقط كل ذرائع البطولة الوهمية التي تنسجها حول نفسك.
سعيد نافع