فاجعة القطار لم تكشف بؤس البنيات التحتية لمغرب القرن الواحد والعشرين، مغرب “التيجيفي” ، مغرب الهشاشة في كل شئ، بل عرت الواقع المغربي وجعلت الكل ينظر إليه بدون الحاجة لنظارات وبدون ضبابية، وقع الحادث الأليم فحضرت اللصوص قبل الإسعاف وقبل المسؤولين أصحاب ربطات العنق الحمراء تماشيا مع لون الدماء المسالة، اللصوص من أبناء هذا الشعب استغلوا الفرصة ولو كانت مأساوية، نهبوا ونشلوا لم يسلم منهم جريح ولا ميت..
أزمة إنسانية
لا يمكن أن يختلف اثنان حول الأزمة الأخلاقية التي يتخبط فيها الشعب المغربي، شعب يعيش ازدواجية الشخصية، كثير الإنتقاد، حاقد، غير مسؤول … إلا من رحم ربه وفقيه وواعض..، قدمت المدرسة استقالتها وقبلها الأسرة والمجتمع من مسؤولية التربية على الأخلاق، وتركت الشارع يتكفل بتفكيك ما تبقى من أواصر الرحمة والتضامن، ساهموا شعبا وحكومة في صناعة أجيال من الفاسدين أخلاقيا، إنسانيا، غير مسؤولين اتجاه الوطن وأبناء الوطن…
سياسة تعليمية فاشلة
المدرسة المغربية تعيش أزمة إنتاج إنسان مغربي بثقافة مغربية وهوية مغربية التي تتميز بروح التضامن والإحترام والتكافل، بل أصبحت منتجة لجيل مليئ بالأنانية والفردانية وحب الذات مما أثر على واقع المجتمع المغربي الذي تحول لحلبة صراع يعتمد منطق الغنيمة أولا وأخيرا، كلنا ننتقد الفساد والمفسدين لكننا فاسدين مع وقف التنفيذ حيث يصبح جاري التنفيذ بمجرد الوصول لثدي المسؤولية…
برامج استعجالية، مخططات متوسطة وبعيدة الآجال، مع الأسف كلها فاشلة لم تساهم سوى في تعميق الأزمة، وتوسيع دائرة البطالة والأمية والجهل والحقد وكل أصناف درجات التأهب على مستوى التنمية الاجتماعية والاقتصادية والبشرية. أصبحنا اليوم على حافة الإفلاس الأخلاقي واللامسؤولية، فساد ينخر المجتمع بكل طبقاته، مواطن قدم استقالته، مسؤول لا يهمه سوى حجم الغنيمة وقيمتها التي ستضمن له وعائلته الصغيرة مستقبلا مريحا والوطن والمواطن فليذهب للجحيم.
ليس أمامنا سوى إنتاج سياسة قطاعية تعليمية مغربية تعمل على زرع الحب والإنسانية وقيم التضامن قبل كل شئ، نريد العودة لحضن الأسرة والحي والدوار، الصغير يحترم الكبير، والكبير يحضن على الصغير، مجتمع متشبع بثقافة تمغربيت أولا وأخيرا.
مسؤولون فاسدين
مع الأسف لازالت ثقافة التشريف تتغلب على ثقافة التكليف أثناء تقلد مناصب المسؤولية في المغرب، وهذا راجع لنوع الثقافة السائدة في المجتمع والتي تتميز بنوع من الإعتلائية والإستعباد، فالمسؤول هو نتاج مجتمع يؤمن بمنطق الغنيمة وليس منطق الخدمة كما هو متعارف عليه في الدول المتقدمة التي تحترم مستقبل أبنائها، حيث في بلدنا أصبحت المسؤولية أسهل الطرق للإغتناء، فالبيئة الإجتماعية وبيروقراطية الإدارة واعتماد منطق القرابة والإنتماء الحزبي عوامل تساعد على فساد وإفساد المسؤولين وبالتالي فساد المجتمع.
فساد مجتمع
سياسات حكومية فاشلة عبر العديد من العقود في مختلف القطاعات الإجتماعية من تشغيل صحة وتعليم لا يمكن أن تنتج سوى مجتمع مريض يصعب عيادته بعدما تمكن سرطان الفساد من جسده، مجتمع يسرق ويسب السارق، مجتمع لا مسؤول ويسب المسؤول، مجتمع كسول ماتت في دواخله روح المبادرة، مجتمع يدفع الرشوة ويشتم المرتشي، كلنا مسؤولين وتتحمل كامل المسؤولية في ما آلت إليه الأوضاع الأخلاقية بمجتمعنا، فاسدين ويجب أن نعترف بذلك..
هناك أمل..
حملة التضامن التي قادها جيل من الشباب المغربي مع عائلات ضحايا فاجعة قطار بوقنادل تعتبر شعلة وسط الظلام رغم استغلالها من قبل البعض للرياء وأخذ الصور على المواقع الإجتماعية، وتبقى رغم ذلك شعلة أمل من جيل قادر على بناء مجتمع مغربي إنساني مسؤول بما تحمل الكلمة من معنى، مجتمع مواطن لا يسرق الموتى والجرحى ولا الأحياء، مجتمع ينصر المظلوم ويساعد المحتاج، يحترم الصغير والكبير، يقوم بمسؤولياته يحارب الفساد من أي موقع كان…
لا تقدموا استقالتكم من مجتمعكم مستقبلكم ومستقبل أبنائكم بين أيديكم…
المسؤول الفاسد هو من يقدم استقالته ويحاسب…
حفيظ الزهري باحث في العلوم السياسية