|
|
|
|
|
أضيف في 24 أكتوبر 2018 الساعة 41 : 11
عن سن ناهز 85 سنة، وبعد مسيرة مميزة على المستوى الديني والاجتماعي قل نظيرها، انتقل الى دار البقاء العلامة الشرقاوي الناصري الحاج الحبيب يوم الاحد 21 شتنبر 2018 بمدينة مراكش ليوارى التراب بمسقط رأسه مدينة ابي الجعد في موكب حاشد حضرته عدة شخصيات من مختلف ارجاء المغرب ومن مشارب سياسية وفكرية وإدارية مختلفة من بينهم رئيس مجلس النواب حبيب المالكي ومدير الدراسات والمستندات محمد ياسين المنصوري مولاي الطيب الشرقاوي، الشرقي الضريس، وزيري الداخلية سابقا والذين كانت تربطهم بالفقيد علاقة مميزة، هذا الى جانب عدة شخصيات مدنية وعسكرية حجت لوداع هذا العالم الجليل والذي ظل لعقود متتالية ممثلا وفيا للزاوية الشرقاوية داخل الوطن وخارجه مجسدا للتصوف بأسلوبه المغربي البسيط عبر الطريقة الشاذلية التي يعد مؤسس هذه الزاوية ابو عبيد الله محمد الشرقي حفيد الخليفة الراشدي عمر بن الخطاب احد اقطابها.
I-المسار السياسي للراحل: الحاج الحبيب الناصري الشرقاوي البجعدي لا يمكن وضع اطار محدد لشخصيته وحصرها فقط في الوعظ والإرشاد والإمامة، بل تتعداها إلى السياسي والاجتماعي: فمن بين الحقائق التاريخية المغيبة أن الحاج الحبيب انخرط في العمل الوطني مبكرا ضمن خلية حزب الاستقلال سنة 1948 بجامعة القرويين بفاس، لينتقل سنة 1950 كمدرس بالمدرسة الحسنية الحرة التي أسستها الحركة الوطنية بمدينة أبي الجعد، ونظرا لنشاطه النضالي فقد اعتقل بقصبة تادلة لمدة ستة أشهر حيث حكم عليه بالأشغال الشاقة، كان ذلك غادة نفي الراحل محمد الخامس، كما أنه يعتبر من بين المهندسين والمشاركين في تنظيم ثورة 20 غشت بمدينة وادي زم سنة 1955، في مساره السياسي تقلد مجموعة من المهام والمسؤوليات يمكن إجمالها كالآتي: 1959 عضو الغرفة التجارية بالدار البيضاء، حيث أعيد انتخابه بذات الغرفة ممثلا لدائرتي وادي زم-بجعد، وفي 1960 انتخب رئيسا للمجلس البلدي بأبي الجعد وعضوا بمجلس النواب خلال الولايتين التشريعيتين لسنتي 1963-1972 إذ شغل مهمة كاتب ومقرر لمؤسسة السلطة التشريعية بالإضافة إلى تقلد مهمة الكاتب العام للمجلس الإقليمي بخريبكة.
ومن منا من لا يتذكر كون المرحوم هو الوحيد الى جانب الراحل ياسر عرفات اللذين سمحا لهما بإلقاء النظرة الاخيرة على جثمان الراحل الحسن الثاني، كما فرض ذاته وأسلوبه الخطابي الديني المتنور في كل المجالس العلمية واللقاءات الثقافية، وكلما جالسته تشعر بأنك داخل سياج فكري متعدد المشارب يرحل بك نحو الماضي المغربي بكل تجلياته ،وبدون ملل ينتقل بك الى الامس القريب حينما يتحدث اليك بإسهاب عن ابرز المحطات التي عايشها او حضر حلقاتها وأحداثها الوطنية من جبال الريف إلى ثخوم الصحراء، لم لا وهو الشاهد الأمين عن أحداث انقلاب الصخيرات سنة 1971 وهو الذي لا يزال يحتفظ بحدائه ملطخا بدماء هذه الواقعة التي بصمت تاريخ المغرب المعاصر قبل أن تسترجع أنفاسك ليقدم لك كرونولوجية خاصة عن مشاركته في حدث المسيرة الخضراء.
II المسار الديني:
عين خطيبا للجمعة بمقتضى ظهير من الملك محمد الخامس سنة 1956، ومرشدا دينيا بإقليم خريبكة، مما أهله لتأطير مجموعة من الندوات في بعض الدول الأوربية والعربية لفائدة مغاربة العالم، على مستوى المديح والسماع كان يترأس فرقة المادحين البجعدية والرئيس الشرفي لحفظة القرآن، وبإسناده مهمة التنقيب عن الخطباء والوعاظ والمرشدين سيتوج عضوا مؤسسا للأمانة العامة لرابطة علماء المغرب،
هذا إلى جانب ترأسه للبعثة العلمية الدينية المرافقة للحجاج المغاربة بالديار المقدسة ما بين سنتي 1982 و 1997 فضلا عن تعيينه رئيسا للمجلس العلمي بالجهة الوسطى التي كانت تتشكل دائرة نفوذها من عدة مدن: الجديدة- سطات- خريبكة- بن سليمان بني ملال أزيلال، هذه الصفة مكنته من العضوية بالمجلس العلمي الأعلى، وفي سنة 2000 عين رئيسا للمجلس العلمي لجهة الشاوية ورديغة وفق التقطيع الجهوي السابق، كما ترأس المجلس العلمي المحلي لإقليم خريبكة.
وحينما ينعقد موسم الزاوية الشرقاوية وقطبها سيدي امحمد الشرقي كان الحاج الحبيب الشخصية المتفردة بأسلوبها التواصلي البسيط والمقنع بفصاحة لسانه وعلو كعب بيانه ولم لا وهو العالم الورع سليل الخليفة عمر بن الخطاب اذ لا يكلف نفسه في انتقاء لغته وألفاظه خاصة حينما يحضر الجنائز والمأتم أو يقرأ الفاتحة وخطبة الترحم او حينما يقود مجموعات أولاد الشيخ وترتيل القران او قصائد من الثرات المحلي البجعدي الفريد من نوعه وطنيا… لكن ما يبهرك في شخصية هذا العالم الصوفي تواضعه الكبير وترفعه بالحديث عن الاخر وهي صفات ورثها كل اولاده من الاناث وخاصة من الذكور : سي محمد وشفيق وعبد العزيز وعبد الحليم وعبد القادر.. فليست في مصطلحاتهم الخطابية اي اثر لألفاظ خشنة او وقحة أو لغة القذف والتشهير، باستثناء مفاهيم السلام والتحيات الصادقة فذاك الغصن من تلك الشجرة..
كان يتقن ترتيل القرآن على الطريقة المغربية البسيطة، ويتفنن في الأدعية (الفاتحة) يحسب له أنه كان آخر من ودع المنتخب المغربي سنة 1986 بمطار محمد الخامس بدعاء مشهود (اللهم أهدي فاريا، وتجاوز عن أخطاء آحسينة، وثبت أقدام التيمومي، وشدد آزر الزاكي، عزيز بودربالة اللهم كن معه ولا تكن عليه). له ذاكرة قوية في ترتيب وتبويب الوقائع السياسية بتواريخها بشكل دقيق، يقر أنه عصاميا كما ورد على لسانه قيد حياته.
نفس عصام كونت عصاما**** علمته الكر والإقدام.
بما يفيد تقلده هذه المناصب دون مظلات أو وسائط.
III– المسار الجمعوي:
أشرف الفقيد على تأسيس مجموعة من فروع الهلال الأحمر المغربي حيث انتخب عضوا باللجنة الوطنية لهذا القطاع، ولمحاربة الهشاشة والفقر أشرف الراحل على تأسيس روض الأطفال الفقراء بمدينة أبي الجعد على نفقة الأميرة للامليكة ليتوج ذلك بإحداث شببية الهلال الأحمر المغربي الذي كانت مهمته التكوين المستمر للمسعفين الذين شاركوا بفعالية في إغاثة ضحايا زلزل الحسيمة، وفي سنة 1975 ترأس جمعية المعاقين بأبي الجعد، والمنظمة العلوية لرعاية المكفوفين وجمعية آباء وأولياء تلاميذ كل من ثانوية الفارابي ومدرسة الشيخ المعطي. هذا التراكم والاسهامات الفعالة على المستوى الجمعوي والاجتماعي زكته ليحظى بتكريم من طرف الأميرة للامليكة رئيسة منظمة الهلال الأحمر المغربي بصفته أقدم المنخرطين بالمنطقة الوسطى.
IV-باب الاستخلاصات:
بعدما فقدت الزاوية المدينة أهم أقطابها المستنبة بمدينة أبي الجعد الأصيلة التي لم ينصفها التاريخ، يبقى التساؤل مطروحا بقوة.
-هل المدن العتيقة المنتجة للنخب تنال حظها من التنمية والاقلاع الاقتصادي بالقدر الكافي؟
لا زالت مدينة أبي الجعد تجتر الجمود منذ عقود بعيدة في الزمان، ولا يمكن تجاوز هذه المرحلة إلا بتجميع النخب في إطار مؤسساتي كخيط ناظم يتوخى التفكير في خلق رجة تنموية قوية من خلال التقائية وتشبيك المبادرات والاستهدافات، إذ من أولويات الأجندة: 1.إعادة كتابة وقراءة تاريخ الزاوية مسألة جوهرية، فعلى الرغم من أهمية الأبحاث المنجزة فإنها لا تبرح المجال الصوفي والسياق التاريخي، في غياب تام لدراسات علمية متخصصة حول تاريخ الصراع السياسي المسكوت عنه، والفرص الضائعة من أجل إنصاف من يستحق الإنصاف. 2.إن النخب المحلية هي المسؤولة بالدرجة الأولى عما آلت إليه أوضاع المدينة وهي المسؤولة أيضا عن كيفية إعادة بنائها اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا. 3.حتمية التاريخ وبداهة الجغرافيا، فرضت على المدينة أن تتموقع في ردهات المغرب العميق المعزول والمهمش، لكن رغم ذلك، ظلت أبي الجعد ولادة للأطر وستبقى دوما مستنبتة للنخب من طينة الراحل الحاج الحبيب الناصري الشرقاوي فالمؤمول أن تنال حظها من التنمية بحجم نخبها ورجالاتها. وأي مشروع فكري أو تنموي لن يتأتى له النجاح خاصة إذا طاله النقد المجاني الهدام غير الممأسس وثقافة التدمير، في غياب تام للقدرة على الاعتراف والعطاء والانتاج، مما يحيله بالضرورة إلى رصيد متحفي محنط يستهدفه الصدأ من كل حدب وصوب.
بوفاة الحاج الحبيب فقد الفكر الصوفي والحقل الديني المغربي احد رموزه وان كنا على يقين بان نبتته انتقلت منذ سنين الى ابنائه وعائلته وأصهاره ورفاق دربه اذ ان شخصيته لها امتدادات ايضا انتربولوجية تحاكي الحاضر وتتماهى بمرجعية الزاوية الشرقاوية انطلاقا من المبادئ الخمسة التي كان ينافح عن مرجعيتها بدون كلل او تعصب بالرغم من بعض المحن الاخيرة التي صادفته واستهدفته ولكن كارزمية الشخص لم تتأثر بالمتاريس والألغام التي وضعت في طريقه :فالحاج الحبيب بالنسبة لنا هو الحاج الحبيب بالرغم من اننا فقدنا حسه وظله وعلمه وتواضعه ولن اجد غير قول الشاعر:
سيذكرني قومي إذا جد جدهم وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر
د.محمد عزيز خمريش/ ذ.عبد الاله بن التباع
بالعربية LeSiteinfo - ياسين حسناوي
|
|
2044 |
|
0 |
|
|
|
هام جداً قبل أن تكتبو تعليقاتكم
اضغط هنـا للكتابة بالعربية
|
|
|
|
|
|
|
|