منح دستور 2011 صلاحيات كبيرة للحكومة، وانتزع كثيرا من الصلاحيات من مؤسسات أخرى لتصبح من مهامها، لكن ليس شيكا على بياض كما يعتقد "الإخوان" في العدالة والتنمية، الذين حاولوا أن يضربوا كافة المؤسسات، التي يسميها البعض الدولة العميقة، وهي مؤسسات موجودة في كل البلدان حتى لو اختلف موقعها وموقفها، لكنها المؤسسات التي تبقى صامدة بعد أن يسقط الجميع، وهي أساس البنيان المتين وبدونها لا تعويل على البقاء للدولة.
ما جرى خلال جلسات ندوة إعادة النظر في النموذج التنموي، بين عبد اللطيف الجواهري، والي بنك المغرب، ومصطفى الرميد، عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية ووزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، خير دليل على أن الحكومة لا تعنيها باقي مؤسسات الدولة، وكأننا أمام حكومة تعيش في جزيرة معزولة عن الدولة، بينما المفروض أن تكون هي بدورها من مؤسسات الدولة، تختلف عن باقي المؤسسات كونها ترتبط بالتحولات السياسية.
رؤية السياسي اليوم للتقنوقراط مبنية على روح الاستعلاء، باعتبار أن السياسي تم انتخابه بينما الآخر تم تعيينه، وكأن التعيين لا انتخاب فيه، الانتخاب هنا بمعنى الاختيار. وحسنا فعل الجواهري عندما قال ردا على تدخل الرميد العنيف إنه ليس سياسيا ولكنه لا يريد لبلده أن يعيش تجربة أخرى من التقويم الهيكلي القاتلة، معتبرا أن تفكير السياسي لا يتجاوز تسعين يوما. هذه ليست سبة ولا شتيمة ولكنها توصيف للواقع. السياسي كالهارب من جلده، فهو متسرع في تحقيق مكاسبه، بينما التقني ينظر على مدى بعيد.
رد الرميد كان على الشكل التالي: التقني لا ينظر سوى نحو أنفه. وهو من باب الردود المتداولة في المواقع الشعبية، لأنه لا توصيف فيها، ولكن رغم ذلك فهي دلالة قوية على نظرة السياسي للتقني، الذي يعتبره نافلة قول وزيادة لا جدوى منها، ولهذا نرى الحكومة لا يهمها ما يصدر عن مجموعة من المؤسسات الدستورية، التي تضيع تقاريرها بين الرفوف عوض الاستفادة منها في تحديد الاستراتيجيات.
الفرق بين الحكومة والمؤسسات الاستراتيجية، هو أن الأولى تنفيذية تعتمد على برامج محددة في الزمان والمكان، ومرتبطة بالناخب، ولهذا تقوم بمجموعة من الإجراءات قصد إرضاء المصوتين، بينما الثانية فهي لا يهمها من صوت ومن قاطع، ولا يهمها متى تنتهي الحكومة ولا متى تبدأ، ولكن يهمها استمرارية الدولة، واستمرار المؤسسات، ولهذا فإن ما تنجزه متعلق بالاستراتيجية لا بالتكتيك الانتخابي، وهو ما وصف الجواهري بكون عمر تفكير السياسي تسعين يوما فقط.
حكومة العدالة والتنمية، سواء التي ترأسها عبد الإله بنكيران أو التي يترأسها سعد الدين العثماني، كلها تعتبر تقارير المؤسسات الاستراتيجية ضدها وأنها حرب عليها، بينما واقع الحال أن مجموعة من المؤسسات التي لا تمارس السياسة لا يمكن أن تغير الحقائق لأنه ليس من حقها ذلك من أجل استمرار الدولة.
Annahar almaghribiya