الواشنطن بوست آخاي !
من حسنات قضية خاشقجي - إن كان لقضية مثل هاته من حسنات - أن العالم العربي كله أصبح يقرأ يوميا "الواشنطن بوست".
يقرأ يوميا؟ ليس بالمعنى الحرفي للكلمة، لكن اليوم في مقاهي المغرب كما في مقاهي بقية الدول العربية التي تلتقط الجزيرة والتي لا تحتفظ بعلاقة طيبة مع القراءة يدهشك بالفعل أن تسمع من فم أناس عاديين وغير مقبلين بكثرة على قراءة الجرائد عبارة "قالتها الواشنطن بوست ياأخي، هل ستكذب الواشنطن بوست؟"
طبعا لا أحد يمتلك تكذيب الواشنطن بوست ولا غير الواشنطن بوست خصوصا إذا كان الإنسان غير دارس أصلا للإنجليزية ولا يقرأ حتى "الأحداث المغربية" و"الصباح" و"الأخبار" وبقية عناوين المشهد الصحافي المحلي فأحراك أن يخطئ ويزل فيقرأ الواشنطن بوست "حتة واحدة"، لكن لابأس هذه هي ضريبة العولمة التلفزيونية، وهذه هي ضريبة متابعة قنوات أجنبية مادامت قنوات بلادك لا تغري الناس كثيرا بالمتابعة
لنعد إلى الأهم الآن: ما الذي حدث بالنسبة لخاشقجي؟
لاأحد يعرف. رغم مرور مايفوق السبعة عشر يوما على اختفاء الصحافي السعودي لا أحد يستطيع أن يدعي أنه يعرف شيئا عن الموضوع.
وحدها قناة "الجزيرة" قدمت لنا منذ الثاني من أكتوبر أكثر من خمس سيناريوهات لماتسميه مقتل الرجل، وكل مرة تضيف توابل من لديها لهاته السيناريوهات، فمرة هو قتل أثناء التحقيق معه خطأ، ومرة هو حقن بمادة مخدرة فمات، ومرة هو قتل بمجرد دخوله القنصلية، وطبعا في المرة الأخيرة هو عرف تقطيع جثته على أنغام الموسيقى حسب زعم القناة القطرية وأمام أنظار القنصل السعودي في إسطنبول
هذه أول مرة تقدم لنا فيها قناة تلفزيونية سيناريوهات عديدة تحل بها لغز اختفاء رجل لازالت الدولة التي اختفى على أرضها لم تصدر بشأنه أي بيان قضائي، ولازالت الدولة التي يتحدر منها لم تصدر بشأنه أي بيان قضائي ولازالت الدولة التي تتوسط بين الدولتين أي أمريكا لم تصدر بشأنه أي بيان قضائي
الأكثر إثارة للانتباه في هاته القضايا هو أن الجزيرة تنشر كل يوم صورا لأناس بأسمائهم وأرقام جوازات سفرهم وعناوين إقاماتهم ومهنهم وكل مايتعلق بهم وتقول "القاتل الفلاني، والقاتل العلاني"، أي أن القناة أصدرت أحكامها وتوصلت إلى القتلة إن كانت هناك عملية قتل، ووضعت صورهم أمام الرأي العالم العربي والعالمي وانتهى الموضوع
الحكاية ليست هكذا على الإطلاق، ولست بهاته البساطة، وليست بهاته الطريقةالتي أطربت العديدين فجعلتهم يسلمون قياد العقل والاستماع للقناة القطرية التي لايصعب على أول متتبع مبتدئ أن يفهم أنها وجدت في هاته القضية طريقة تصريف وتصفية حسابات عالقة لقيادة قطر مع ولي عهد السعودية محمد بن سلمان وكفى
الحكاية لها علاقة بأمور أكثر تعقيدا ستظهر في القريب العاجل أو ربما في البعيد الآجل وحينها قد يكون للحديث معنى إذا ماظهرت حقائق فعلية أكدتها الأبحاث القضائية وأثبتتها الأدلة، واتفقت عليها الدولتان المعنيتان بكل هذا الضجيج " تركيا والسعودية.
ماعدا ذلك يسمى الفضول، ويسمى لي عنق الحقيقة لكي تقول ماتريد أطراف أخرى سماعه، ومعناه الافتخار بالجهل وترديد عبارة أصبحت لفرط قولها اليوم في المشهد العربي العام مضحكة للغاية وإن كان السياق غير مضحك نهائيا "واراه قالتها الواشنطن بوست آبوراس".
ميلونشون "زيان" !!!
مافعله ميلونشون في فرنسا أمر جد مخجل. زعيم حركة فرنسا المتمردة اعتدى على رجال شرطة وعلى نائب عام للجمهورية أتوا إلى مقر حزبه لكي يفتشوا عن أوراق تدين الحزب وزعيمه في قضية تمويل الحملات الانتخابية
ميلونشون اعتدى على رجال الشرطة وعلى النائب العام وصور اعتداءه ووضعه في الفيسبوك وهو يصرخ "أنا الجمهورية، أنا مقدس لايحق لكم لمسي ولا منعي من دخول مقر حزبي".
المثير للانتباه هو أن نفس الميلونشون كان قد انتقد فرانسوا فيون ومارين لوبين حين اعترضا معا على قرار قضائي مماثل ولم يصلا درجة الاعتداء على رجال الشرطة أو على القضاة، بل اكتفيا بانتقاد القرار فاتهمهما ميلونشون أنهما يهينان القضاء الفرنسي ويعتبران نفسيهما فوق القانون
أي ذبابة لسعت الطنجاوي صديق تشافيز لكي يقوم بعمل مثل العمل الذي ارتكبه؟
هذا ليس هو السؤال. السؤال هو " منذ متى لم يكن هذا الطنجاوي المولد صديقا لتشافيز ومرتكبا دائما لمثل هاته التصرفات؟"
تشرميل و"تشرميل" !
لافرق بين من قاموا بسرقة مصابي وضحايا قطار بوقنادل وبين من ينشر الأخبار الكاذبة عبر الفيسبوك عن هاته الفاجعة ويدعى أن عدد القتلى بالآلاف وأن القطار زاغ عن سكته منذ سلا ورغم ذلك بقي قادرا على الوصول حتى بوقنادل حيث انقلب
الذين يجلسون خلف حواسيبهم أو خلف هواتفهم النقالة ويدبجون هاته الأكاذيب دون أي اعتبار لا للضحايا ولا للبلد ولا للحقيقة وهمهم هو التظاهر بالأهمية في مواقع التواصل الاجتماعي يشبهون تماما أولئك "المشرملين" الذين قفزوا من العدم وسارعوا للاعتداء على ضحايا دمهم لم يبرد من أجل هاتف نقال تافه مهما غلا ثمنه أو من أجل بضعة دراهم كان الضحايا يحملونها جيوبهم.
بالنسبة لي لا فرق بين الإثنين، والتشرميل يختلف فقط في أداة التنفيذ وطريقة التنفيذ، أما العمل فواحد لا يحتكم إلى أخلاق، ولا يؤمن بحقيقة، ولا يستحي من المتاجرة بآلام الناس.