كشفت فاجعة قطار بوقنادل، التي ذهب ضحيتها عشرات المسافرين، عن وجود مجتمعين تحت سقف واحد، يعيشان ويتعايشان، وفكرة مجتمعين أو مجتمعات تحت سقف واحد ظهرت مع تطور السوسيولوجيا، من أجل البحث عن سبل للعيش المشترك رغم التناقضات، التي لا تظهر في أغلب الأحيان لأنها ثاوية في قلب تلك الصراعات لكنها مثل النهر الهادئ، الذي تعتمل فيه الأمواج العاتية في العمق.
الفاجعة كشفت عن مجتمعين يعيشان تحت سقف واحد.
عندما وقعت الفاجعة تدخل جلالة الملك وبشكل فوري للعناية بالضحايا، حيث أعلن التكفل شخصيا بمراسم دفن القتلى وأمر بنقل المصابين إلى المستشفى العسكري نظرا لتوفره على العديد من الآليات القادرة على استيعاب عدد الضحايا، كما زار العديد من الجرحى بالمستشفى تعبيرا عن التضامن المغربي، موضحا أنه واحد من أبناء الشعب، يفرح لفرحهم ويحزن لحزنهم، وكانت مبادرة قوية في مستوى اللحظة وفي مستوى الفاجعة التي اهتز لها المغاربة وعلى رأسهم جلالة الملك.
في البلاد المبادرة جاءت من الملك. لكن رئيس الحكومة اكتفى بتغريدة على تويتر، الذي لا يتجه له إلا النخبة من مثقفين وفنانين وإعلاميين، بينما عامة الشعب لا يعرفون عنه شيئا، كما اكتفى وزيره في النقل بتدوينة على فيسبوك عبارة عن تعزية لذوي الضحايا، غير ذلك لم يقوموا بأي إجراء.
في بلاد تحترم الحكومة نفسها سيقوم رئيسها بالوقوف على الإجراءات بعين المكان، لكن العثماني كان في خبر كان، ولم يهمس ببنت شفة ولم يتخذ أي إجراء، ولم يعلن عن تشكيل خلية أزمة حكومية يترأسها بنفسه بعضوية وزير الداخلية ووزير النقل ووزير الصحة والمدير العام للمكتب الوطني للسكك الحديدية والمصالح المعنية لاتخاذ ما يلزم وهو كثير.
هل كان في علم العثماني أن الكارثة لا تقف عن حدود معينة، فناهيك عن نقل المصابين إلى المستشفيات والشروع في التحقيق في الفاجعة هناك تداعيات أخرى مرتبطة بها؟ هل يعلم العثماني أن مئات المسافرين يستقلون القطار يوميا من الرباط إلى الدارالبيضاء ومنها إلى القنيطرة، ووجودهم في تجمعات بشرية حول المحطات يمكن أن يؤدي إلى الفوضى؟
في الجهة الأخرى بعيدا عن المؤسسات قريبا من الشعب، لاحظنا بوضوح كيف تتعايش قيم متناقضة وسط مجتمعنا. لما أعلن مركز تحاقن الدم بالرباط عن الحاجة إلى التبرع بالدم، هرع المواطنون من كل حدب وصوب وحتى من خارج الرباط وسلا للتبرع، ومنهم من لم يتمكن من أداء الواجب. وهذا سلوك اجتماعي راق.
عندما حلت الكارثة وانقلب القطار قام بعض المارقين بنهب ما كان في حوزة الموتى والمصابين غير آبهين بالفاجعة بل اعتبروها فرصة. ولما عجز الناس عن السفر عبر القطار إلى القنيطرة انبرى سماسرة النقل للرفع من تسعيرة الإركاب حتى تجاوزت الحد المقبول. إنها سلوكات مشينة تضر بسمعة المجتمع، ولولا تلك الشموع المضيئة لخفنا على أنفسنا وشعبنا.