المصطفى كنيت
لا يمكن اعتبار خرجة عبدالإله بنكيران، مجرد خوار ثور مذبوح، لم يقطع السكين وريديْه، فقام يجري، ناطحا كل من وجده أمامه، بل ركلة بغل، لأن البغال لم تخلق لحمل الأثقال فقط، بل لقتل أصحابها أيضا.
في الحالة الأولى، لمست السكين حبل الوريد الأول عندما فشل بنكيران، في لمّ أغلبية حوله لتشكيل الحكومة ( على هواه)، فغادر من النافذة بعد أن دخل من باب نتائج الانتخابات، وعوضه زميله في الحزب، سعد الدين العثماني، الذي كان أزاحه بنكيران من الأمانة العامة للعدالة والتنمية، ذات يوم.
وفي الحالة الثانية، شقت المديّة طرف الوريد الثاني، حين أُفرد بنكيران من الحزب " إفراد البعير المعبد ( الأجرب)" كما في عجوز بيت شعري لطرفة بن العبد.
و مع ذلك، فقد استطاع بنكيران الاستمرار، لكن "حويطة حويطة"، إلى أن استأسد في خرجة إعلامية قد تكون محسوبة العواقب، لأنه أحس أن العثماني خارت قواه، و لم يعد قادرا على التحكم في زمام الحزب، فلجأ الطبيب النفسي إلى الفقيه بنكيران، بعد أن طارت بركة " العالم الرباني"، الذي رجع إلى صباه، مستنجدا بصراخه في وجه أغلبية يبدو أنها أحكمت السيطرة على "مقاليد" الحكومة.
خرجة بنكيران لا يمكن عزلها عن ثلاث معطيات:
الأول: الخطاب الملكي في افتتاح السنة التشريعية، و الذي أكد فيه الملك محمد السادس أن المغرب بلد الوطنيين وليس بلد الانتهازيين.
و لا شك أن بنكيران بخرجته هذه يريد أن يمارس دور " المفتي"، و يحشر خصومه في السياسة في خانة الانتهازيين، مغلفا هجومه بخطاب أخلاقي.
الثانية: أن إعلان حزب العدالة والتنمية عن تقديم مرشح لرئاسة مجلس المستشارين، يندرج في سياق استراتيجية تُربك الأغلبية، التي اتفقت على أنْ لا تقدم مرشحا في هذه المحطة، و أن تترك المواجهة مفتوحة بين حزبي الأصالة والمعاصرة و الاستقلال، الذي قرر بدوره الانسحاب حتى لا يزكي ما وصفه في بلاغ للجنته التنفيذية بـ "الضبابية السياسية"، و هو ما يعبد الطريق لفوز سهل أمام حكيم بنشماس.
لكن صقور حزب العدالة والتنمية، لا يريدون أن يقفوا مكتوفي الأيادي، والاستسلام لمنطق الأغلبية، الذي يقوم على إضعاف العدالة والتنمية، و جره للكثير من التنازلات مقابل الاستمرار في التحالف، كما أن الحزب لم يعد مستعدا لهذا اللعب، و العثماني نفسه يريد أن يحفظ ما تبقى من ماء الوجه، أو هذا على الأقل ما استشعره بنكيران، بعد توالي فضائح فريق العثماني الحكومي ( مدلكة يتيم ومكفوف الحقاوي وابنة الداودي)....
في هذا السياق يأتي تقديم مرشح لرئاسة مجلس المستشارين، بناء على توصية من الفريق مرفوعة للأمانة العامة، وهنا يمكن تقدير الدور الذي قام به عبدالعالي حامي الدين في هذا الاتجاه.
و يمهد هذا المعطى لمعطى ثالث:
أن العدالة والتنمية، الذي تآكلت شعبيته، على محك تدبير الشأن العام، وأصبح يبدو تائها في تدبير الملفات، يريد أن يتخلص من ضغط المسؤولية الحكومية، ويحضر نفسه، للانتخابات المقبلة، بنفس جديد، لمواجهة تحدي عزيز أخنوش، الذي حسم نتائج انتخابات 2021 لصالحه.
وفي هذا السياق يأتي هذا التصعيد.