ثمة شيء ما ليس على مايرام في المكان كله قوامه عدم قدرة الجميع على الإنصات للجميع.
وصلنا لمرحلة الاكتفاء بالإنصات لأصواتنا الداخلية فقط. كل يعتقد أنه صاحب الحق، وكل يتصور أنه الوحيد الذي فهم كل الأشياء، وكل مقتنع أن الآخرين كل الآخرين يجدفون، يهذون، لايعرفون لا مايقولون ولا مايفعلون
المشكل كان عويصا منذ البدء، لكنه ازداد استعصاء مع توالي الأيام. ولكم أن تتخيلوا المشهد الكاريكاتوري العام الذي نحن فيه عالقون، عندما يعتقد كل واحد منا آن الآخرين جميعا أغبياء وأنه وحده "دادا الفهيم" من بينهم .
النتيجة غياب تواصل بين الجميع. غياب قدرة على الكلام، وعدم قدرة على الإنصات، ومحاولة نيل وتبخيس لأي رأي آخر ..
ولأنها إذا عمت هانت، فقد هنا بالفعل معها وهي تشمل كل الميادين: من السياسة العالق فيها أهلها اليوم، إلى الثقافة الغائبة على أرض الواقع المتحققة فقط في رأس بعض الواهمين، مرورا بالرياضة التي نتخيل أننا حققنا فيها كل شيء، فالاقتصاد الذي نرعاه بكل جشع وجهل الدنيا الممكنين، فالمجتمع الذي جعلنا تشوهاته تطغى على ماعداها ولم نعد نرى فيه أي شيء جميل، بل أصبحنا نتبارى في تصوير علاته وعاهاته ووضعها على مواقع "السوشل ميديا" ونحن مبتهجون.
كيف السبيل إلى جعل الحوار لغة بين الناس من جديد؟
يجب الاعتراف أن وسائل التكنولوجيا الحديثة إذ تدخل مجتمعات غير حديثة كثيرة لا تسهل المسألة ولا تيسر المأمورية. بالعكس. هي تزيد طين البعد بين القوم بلة، وتنتج المزيد من الخسائر.
ويجب الاعتراف أيضا أن الهواتف الذكية عندما تسقط بين أيدي العقول الغبية يكون الدمار شاملا، وأسوأ من إعصار مايكل الذي دمر مناطق أمريكية بكثير.
ومع ذلك لا سبيل لدينا وأمامنا إلا البحث عن كوة ندلف من خلالها إلى بعضنا البعض
لامفر ولا مناص ولا بد من الأمر، وإلا فإننا سنتحول إلى جزر تتعايش مع بعضها دون أن أي تماس. نرمق بعضنا شزرا ويتوجس البعض خيفة من البعض الآخر، ويقتنع كل واحد منا في موقعه أنه العالم الوحيد في المكان وأن القدر ابتلاه بهاته الجماعة من الأميين الجهلة المحيطين به
كيف السبيل إلى ذاك؟
هذا هو السؤال مثلما تركها لنا شكسبير الخالد ذات يوم، وهذه هي المسألة، وهذه هي المعضلة، وهذا هو حقا أس الإشكال.
من عثر منكم على بداية جواب عليه، ليراسل الجميع في العام أو الخاص أو على بقية العناوين البريدية الكثيرة التي لم تعد توصل أي رسالة ولا أي نوع من أنواع الطرود.
غادة..غادة: مالك؟
بالنسبة لي نجمة نجوم قضية جمال خاشقجي الدائرة حاليا في تركيا هي مقدمة النشرات الإخبارية في قناة "الجزيرة" غادة عويس.
في حياتي التلفزيونية، والله يعلم أنني مشاهد مدمن على القنوات من شرقها إلى غربها ، ومنذ سنوات طويلة جدا، لم يسبق لي أن رأيت مقدمة أخبار تعادي بلدا بهاته الطريقة الفجة وغير المسؤولة، وتفتخر بهذا العداء عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتأتي إلى القناة التي تشتغل فيها لكي تحاور الناس بطريقة خالية من الأدب ولكي تفرض عليهم أن يقولوا لها الكلام الذي تريد سماعه عن السعودية وإلا قاطعتهم، أو هددتهم من وراء الشاشة بالضرب والاعتداء
ثمة شيئ شخصي يجمع غادة بالسعودية والإمارات. هذه مسألة لاشك فيها، أو ثمة مشكل شخصي يجمع هاته السيدة بنفسها الله أعلم. المهم هي نجمة هذا الفيلم الغريب، وهي صاحبة الصوت الأكثر تشنجا فيه.
شاهدوها و"ردوا عليا الخبار".
البحث عن وزراء
في فرنسا أمضوا الأسبوع كله يبحثون عن وزراء يعوضون الوزراء "الهاربين" من حكومة ماكرون، وربما يأتي هذا اليوم أي الجمعة بالنبأ اليقين، ويعثر الوزير الأول الفرنسي فيليب على من يقبلون الصعود معه إلى ظهر سفينة يقفز منها الجميع.
الصحافة الفرنسية تحدثت إلى حدود الخميس عن عشرة أسماء تم الاقتراب منها بهدف الانضمام إلى الحكومة ورفضت، وهو رقم يدل على صعوبة الوضع حقا وعلى عدم اقتناع الجميع بقدرة مشروع "إلى الأمام" على مواصلة السير بالفرنسيين
في المغرب يشرح المواطن بالخشيبات للوزير الذي كان وزيرا منذ بداية القرن والذي لازال وزيرا إلى حدود الآن أنه لم يعد يرغب فيه كوزير، وأنه "الله يرحم اللي زار وخف"، وأن "زيارة النبي تلتيام"، وأن الأجيال تتغير والحقب تتبدل، والمواليد الجدد في سنوات معينة يصبحون شبابا بالغين الآن، وأنها لو دامت لغيرك لما وصلت إليك، وأنه من المستحيل الخلود في المنصب، ثم إن هناك كفاءات تريد تجريب حظها هي الأخرى في عملية الارتقاء الوزاري هاته التي تغير شكل السحنات وشكل الأردية والأزياء، بالإضافة إلى أنها تعطيك أفكارا غير طيبة كثيرا بخصوص الزوجة الأولى، وتمنحك القدرة على التغيير وتبديل العشيقات وما إليه من الأمور التي يتبارى محدثو الوزارة في تقديمها إلينا، لكن لا أمل مع هؤلاء القوم
من خاصيات الوزير المغربي أنه "بلاندي" لايسمع كثيرا أو لنقل إنه لايسمع إلا مايرضيه. بقية الترهات الأخرى لاتعنيه في شيء، لذلك يرفض الناس هناك في فرنسا الالتحاق بالحكومة لأنهم يفترضون أن ليس لديهم مايقدمونه للفرنسيين، وتبقى القابعة في حجرتها والقابع في مكتبه مصرين على أنهما لوحدهما "مضويين البلاد".
ما العمل مع هاته النوعية من القوم؟
لاعمل إطلاقا. فقط الحوقلة، والإكثار من الحوقلة وانتظار ما ستحمله الأيام والسلام...